على خطى الدورات الانتخابية السابقة والمنتسبين لنادي برلمانها الاتحادي العتيد؛ سارع القادمون الجدد للمحفل التشريعي والرقابي الاول في البلد، الى طلب الغوث من حلال المشكلات الوطني والمعين المجرب في شتى حالات الاضطرار وفي شتى الحقول والتخصصات والكتل والاصطفافات؛ أي المحكمة الاتحادية العليا، تلك المؤسسة التي أهدتنا المعنى الجديد لما يعرف بـ (الكتلة الأكبر)، وهو مفهوم ينسجم تماماً وحاجات التشرذم على أساس “الهويات القاتلة” المهيمنة على تجاذبات وتوجهات المشهد الراهن. مثل هذا السلوك للطبقة السياسية وحيتانها وممثليها، في التعاطي مع ما يفترض انها من واجباتهم ومسؤولياتهم السياسية والتشريعية والرقابية، وتحويله عند كل مفترق طرق صغيرا كان أم كبيرا الى المحكمة الاتحادية؛ يعكس واقع عجزهم وضعفهم في مواجهة ما تنطعوا للتصدي له من مسؤوليات تجاه الوطن والناس، أي العمل السياسي بمعناه الذي مارسه الرعيل الاول من الوطنيين العراقيين الذين كرسوا كل مواهبهم وإمكاناتهم من أجل خدمة الشأن العام. لا حدود للسيرة والامثلة السيئة التي رافقت تلقف هذه الطبقة السياسية من شتى الرطانات والهلوسات والعناوين، لمقاليد أمور هذا الوطن المنكوب، وهم عبر خطوة برلمانهم الجديد هذه (إحالة أمر تحديد الكتلة الأكبر اليها مجدداً) يؤكدون للمتشائمين منا صحة ما توقعوه من سيناريوهات للعراق في السنوات الاربع المقبلة. هكذا أوكلت المهمة الأساسية للنشاط السياسي واصطفافاته الى القضاة، كما حصل عندما نشب الخلاف حول عمل مفوضيتهم المستقلة للانتخابات، حيث انخرط القضاة بمهنة إضافية (إجراء العد اليدوي لنتائج الانتخابات) وعلى أمل نهوضهم بواجبات ومهن اخرى مع هذه القافلة الجديدة من المتطفلين على سنام السلطات، لا سيما وان عدد القضاة لدينا لا يتناسب وحجم الأضابير والملفات التي تنتظر طويلا دورها بين ردهاته ودهاليزه المكتظة بالمراجعين واليائسين والبائسين من الفاو لزاخو.
ان هذا التمدد والتورم الظاهري لسلطة القضاء وبنحو خاص المحكمة الاتحادية العليا، لا يشير ابداً الى فاعلية هذه السلطة ونفوذ مؤسساتها وعافية هيئاتها القضائية، ومن يتابع دور أهم هيئاته (الادعاء العام) منذ لحظة “التغيير” الى يومنا هذا، يدرك ان هذه المؤسسات الحيوية، لم تكن بمنأى عما يحصل في البلد من غرائب وعجائب يعجز عن فك طلاسمها صاحب “روح القوانين” مونتسكيو بجلال قدره وشأنه في مجال القوانين والتشريعات والدساتير. يفترض بسدنة القضاء والمحكمة الاتحادية العليا التوقف كثيرا عند هذا التقليد الضار الذي تمارسه هذه القبائل السياسية، كي لا تتورط أكثر في مثل هذه الممارسات والحذلقات التي ألحقت أفدح الأضرار بحاضر ومستقبل البلد وتجربته الفتية، حيث بمقدور المواقف الشجاعة والمسؤولة للمتصدين لأمر السلطة القضائية، تقديم يد العون لبلدهم ومجتمعهم في تقويم مسار التطورات بعيدا عن شراهة قوارض المنعطفات التاريخية وتطلعاتهم المتنافرة ومصالح العراقيين جميعاً. اننا اليوم وبعد باكورة القرارات الانهزامية التي اتخذها مجلس النواب الجديد، وبعد ترحيله أمر أهم نتيجة تتمخض عنها الانتخابات عادة عند الأمم التي وصلت لسن التكليف الحضاري، تحديد أمر الكتلة الأكبر الى المحكمة الاتحادية، ومد أجل الجلسة المفتوحة الى السابع عشر من الشهر الجاري، أي بعد اسبوعين من تاريخ انعقادها، وغير ذلك من التداعيات والمواقف التي تؤكد وبما لا يقبل الشك بأن القافلة الجديدة من عيال البرلمان لم يصلوا لسن التكليف الديمقراطي بعد، وهم بأمس الحاجة للرعاية والوصاية الأبوية التي تسدد خطاهم وأصواتهم على دروب الخيبات الخالدة..!
جمال جصاني
عيال المحكمة الاتحادية..!
التعليقات مغلقة