تتفاقم المشكلات السياسية في العراق في ظل غياب بدائل واضحة ومقنعة. وبما يشي بملامح انحسار في رصيد السيد العبادي بسبب بُعد المعالجات المتاحة والمطروحة سواءً من قبل الحكومة أم المتظاهرين. كما يبدو للمراقب أن الأحزاب السياسية الحاكمة تخلت عن التظاهرة والمتظاهرين، اذ تعتقد القيادات السياسية للأحزاب أن الإصلاح المطلوب سيكون على حسابها.
ولجأت قيادات كبرى الى تقديم الاعتذار للجمهور العراقي عن التقصير المديد في ممارسة الأحزاب خلال الأعوام الخمس عشرة الماضية.
وجرى خلال الأيام القليلة الماضية، تغيير جوهري واضح على مطالب المتظاهرين التي انتقلت من المطالبة بالعمل أو الماء الصالح للشرب أو التوزيع العادل للثروة وما الى ذلك، الى التوجه نحو مهاجمة الأحزاب السياسية بالدرجة الأولى واستهدافها كمطلب رئيسي.
ولا نعلم الى أين تتجه بوصلة المتظاهرين في الأيام المقبلة وترافق هذا التطور المثير مع ارتفاع درجة العنف في اليومين السابقين مما قد يفتح الباب أمام دورة دم خطيرة قد لا تتمكن الحكومة والأحزاب والمجتمع من تحملها.
كل هذه التغيّرات جسّدت حقيقة جديدة وهي أنها وضعت الملف العراقي بمجمله مفتوحاً على الطاولة والبعض يرى أن الملف لا يمكن إغلاقه بترتيبات سطحية. فالأمر يتطلب تسوية عدد من القضايا التي تبتعد أو تقترب من القضايا المطلبية ولكنها تمس الواقع السياسي لمصير الكتل والأحزاب السياسية الراهنة. وهذه التغيّرات بدت وكأنها لا تأبه بالنتائج التي تمخضت عنها الانتخابات الوطنية.
ومن أول الملفات المثيرة، ابتعاد المؤسسات الجديدة ولا سيما الحشد الشعبي عن النشاط المطروح في الشارع، بل أن بعض المراقبين يرون أن التظاهرات تبدو مبرمجة ومنظمة من قبل أجندات غير متطابقة مع المشهد السياسي العام، ولذا يحبذ أن تنتهي بأسرع وقت ممكن أو أن تتوقف في نقطة معينة يمكن وصفها بنقطة اللاغالب واللامغلوب .
ويرى البعض أن وقوف التيار الصدري متفرجاً، حتى الآن على التظاهرات يعكس حقيقة مهمة أخرى إذ يبقى الرصيد الممكن للتيار حاسماً لو ألقى بثقله في الميدان، فالوزن النوعي للتظاهرات إما قاصر وقليل أو أنه آخذ بالتلاشي وفي أقل تقدير يمكن أن يصل عدد المتظاهرين الى أكثر من 50 ألف متظاهر في حال غيّر التيار وجهته. ولكن الوقائع تشير الى أن السيد مقتدى الصدر له حساباته الخاصة أو قراءته الخاصة للتظاهرات التي اتسمت بموقف عام، على أهميته، وهو ربط التقدم بتشكيل التحالفات أو تطوير المشاورات بين الكتل حتى يجري تنفيذ جميع مطالب المتظاهرين.
وتعود التظاهرات اليوم الى مراكمة عجز الحكومة خلال السنوات الخمس عشرة الماضية وهي تختلف وفقاً للمراقبين عما حصل في العام 2015. كما أن الطريقة التي تلقى فيها السيد العبادي موقف المرجعية مكنته من تبريد الشارع وحصاد بعض المكاسب الشعبية. إنما اليوم يبدو واضحاً أن الشارع فقد ثقته بالحكومة وتصريحاتها ويعدّ إجراءاتها ترقيعية وغير كافية في أحسن تقدير. ولكن الرئيس العبادي يعاني اليوم من تقلص قاعدته رغم أنه مستريح في اتخاذ قراراته من الناحية الرسمية. كما أن المناورات الخطرة التي تجري من تحته، ولا سيما من قبل بعض أطراف حزب الدعوة المنضوية تحت قائمة النصر، قد تؤدي أو تكشف عن تحالفها مع جماعات الحشد الشعبي بما يبعد العبادي عن منصب رئيس الوزراء الذي كان متاحاً من الناحية الافتراضية له قبل أسابيع قليلة.
وترتبط مناورات الدعوة هذه بالوضع العام وقد يرتبط توقيتها باكتمال عمليات العد والفرز اليدويين وأيضاً بمدى استمرار المتظاهرين بنشاطهم. ولكن الدكتور العبادي لا يملك ما يمكن أن يحمي مكاسبه الانتخابية التي هي الوسيلة الأساسية لبقائه في المكان المناسب من الميدان المتوقع للتحالفات.
وبانتظار ما سيجري ميدانياً يبدو مصير العبادي معلقاً وتحت رحمة أعداد متزايدة من الخصوم الذين كانوا لوقت قريب من أخلص حلفائه. كما يبدو مصير الإصلاحات المطروحة غامضاً وغير واضح.
اسماعيل زاير
الإصلاح المستحيل للسيد العبادي..
التعليقات مغلقة