إن مشهد توزيع الأطفال للاستجداء عند مفترق الطرق والساحات ومراكز التسوق المزدحمة، من قبل شبكات منظمة ومتخصصة في استعباد الأطفال واستغلالهم بأبشع شكل ممكن، ومن دون أي موقف جدي من قبل السلطات المعنية؛ يختزن الكثير من التواطؤ والتخاذل وخيانة الوظيفة والمسؤولية، من قبل جميع الجهات المعنية بهذا الملف الحيوي (الطفولة) الذي زادته الأعوام الأربعة الأخيرة تأزماً وتقيحاً. مثل هذه المواقف المتخاذلة الرسمية منها والشعبية، تفضح كل ادعاءات الإصلاح والتغيير وشعارات العدالة الاجتماعية وسيادة القانون وغير ذلك من اليافطات الرنانة والبراقة، التي يتوهم البعض بقدرتها على ستر ملامحهم واهتماماتهم الفعلية. بلد عاجز عن حماية من هو بأمس الحاجة للحماية والرعاية (شريحة الأطفال) على زعاماته وكتله المتنفذة وهيئاته وإداراته ومؤسساته، أن تخجل قليلاً وتخفض من سقف تبجحاتها وادعاءاتها، فالعاجز عن توفير الحاجات البدائية لأطفاله، لا يمكن انتظار أعمال وقرارات جدية له في الميادين الأخرى. هذا هو التحدي الذي يمكن من خلال التعاطي معه أن نكتشف حقيقة وجدية إمكاناتنا وتطلعاتنا الفعلية، ومع الأسف الشديد فقد أخفقنا بنحوٍ مخزٍ في هذا التحدي، ولم يلوح في الأفق أية محاولة جادة لمد يد العون لهذه الشريحة المنسية، وبنحو خاص المستعبدين منهم على يد تلك الشبكات والعصابات والبعض من آبائهم الممسوخين قيمياً واجتماعياً، كما أشارت التقارير الصحفية والمهتمة بهذا الشأن.
إن تعرّض من لا حول له ولا قوة (الأطفال) للعبودية وأبشع أنواع الاستغلال، فيما يعرف بالعراق الاتحادي الديمقراطي الجديد، يهتك ستر كل هذه العناوين والتسميات التي أشرنا اليها، ويقدم عنا صورة لا تنسجم وما هدهدته عقول وضمائر الأحرار من سكان هذا الوطن القديم. هذا التراخي والتواطؤ من قبل السلطات والأجهزة المعنية بهذا الملف الخطير، ولا سيما من القضاء والمحاكم العراقية والسلطة الغائبة (المدعي العام) لن يلحق أبلغ الأضرار بهذه الشريحة وحسب، بل ستكون عواقبها على الجميع وخيمة وقاسية كما حصل مراراً في تاريخنا القديم والحديث.
يفترض أننا على مشارف حقبة جديدة، يشق فيها مشحوفنا المشترك طريقه بعيداً عن لعنة العسكرة والنزاعات المسلحة والحروب، الى حيث إعادة إعمار وبناء العراق، ومصير هذه التوجهات سيعتمد على الاستثمار بمن يشكل مستقبل البلد، وهم الأطفال، وهذا ما أشارت اليه المنظمات الدولية المشاركة بمؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق؛ حيث يشكل ذلك الركيزة الأساسية لاستقرار وازدهار البلد، تقول زينة علي أحمد المديرة الإقليمية لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل): (الأطفال هم الأكثر تضرراً في النزاعات، وينبغي إعطاء الأولوية في العراق الى التعافي وإعادة الإعمار في المناطق الحضرية، ودعمها بشكل كاف وتنفيذها بسرعة، مع إيلاء اهتمام خاص للسكان المستضعفين، بمن فيهم الأطفال). إنها فرصة تاريخية لاسترداد شيئاً من المصداقية أمام من سحقتهم مغامرات وهلوسات وجرائم الكبار، وأمام المجتمع الدولي ومنظماته، عبر التعاطي مع هذا الملف الخطير والشديد الأهمية، بشكل مغاير وبعيد عن السبل والسلوكيات السابقة، والتي لم نحصد منها سوى الخيبات والويلات، انها فرصة كي نبرر ثقة المجتمع الدولي بقدرة العراقيين واستعدادهم لمواجهة تحديات المرحلة الجديدة، التي ستشكل القرارات والمواقف المعنية بهذه الشريحة (الأطفال) بوابتها الأساس.
جمال جصاني
من للأطفال المستعبدين..؟
التعليقات مغلقة