الاختطاف لا يفسد للأمن قضية

نادرا ما تجمعنا المواقف مع هذه الطبقة السياسية المهيمنة على مقاليد أمور ما بعد “التغيير”، لكن والحق يقال فإن الموقف من خطورة وبشاعة جريمة (الاختطاف) قد جمعنا والنسخة الحكومية التي طلبت استثناء الخطف بكل أشكاله من إجراءات قانون العفو الأخير الذي أقره مجلس النواب العراقي. لكن غير القليل من “نواب الشعب” ومن بينهم حقوقيين وقضاة سابقين قد امتعظوا من ذلك عندما “استثنوا بتعديلاتهم جرائم الخطف التي لم تسبب عاهة أو أضرارا للشخص المختطف..؟!) وقد كان وصف السيد العبادي لتلك الإضافات على بنوده بأنها إجرامية دقيقاً تماماً. مع مثل هذه العقليات التشريعية والفقهية المستلقية على سنام السلطة الأولى في البلد، والتي ترى بأن “جرائم الاختطاف لا تفسد للأمن قضية” ولا سيما لحالات الاختطاف “الإنسانية والتي لا تلحق ضررا” يمكن فك شيئاً من طلاسم هيروغليفات حالتنا العضال. إن حادثة الاختطاف الأخيرة لسبعة من الطلبة الجامعيين ومن قبل مؤسسة (المسلحون المجهولون) الناشطة في هذا المجال، تشير الى المغزى الفعلي لمثل هذه التشريعات والقوانين البعيدة عن الحكمة والمسؤولية. لقد أشرنا مراراً وتكراراً الى نوع المخاطر والتحديات التي تواجهنا، والتي تتمحور غالبيتها العظمى في الفشل الذريع لنا كعراقيين من شتى الرطانات والهلوسات في بناء مؤسسات الدولة الحديثة وسيادة القانون، ذلك الفشل الذي استدعى قوى وجماعات ما قبل الدولة كي تشغل ذلك الفراغ الحيوي، عبر ما تطلق عليه وسائل الإعلام بـ (المسلحون المجهولون) من الذين تخترق قوافلهم ومفارزهم كل أنواع السيطرات والقرارات الاستثنائية وفتاوى المرجعية والخطط الأمنية ولجان المتابعة وتقصي الحقائق..؟!
لا نحتاج الى الاستعانة بخبرات دولية ومراكز بحوث متخصصة، كي نعرف حقيقة تصدرنا لقائمة أكثر البلدان إنتاجاً وتصديراً لهذه الجريمة (الاختطاف) والتي تمتد جذورها الى عقود من هيمنة عصابات الشوارع على مقاليد الأمور فيه، لذلك لم يمر وقت طويل على لحظة تلقف شحاطات أطفال بغداد لرأس الصنم؛ حتى عادت حوادث الخطف لتشمل برعايتها العراقيين من شتى “المكونات”. إن تصاعد وتيرة هذه الجرائم مؤخراً يؤكد على مدى اغتراب من أوكلت اليه أهم السلطات (التشريعية) ومشتقاتها التنفيذية والقضائية، عن الحاجات الفعلية للواقع الراهن، والذي زادته تشريعاتهم ضعفاً وهشاشة، بفعل إصرارهم على تمثيل ذلك التشرذم والمحاصصة التي اختارتهم لمواقعهم الحالية. من المؤسف القول؛ بأن القوى التي تقف خلف هذه الجرائم والتي تقوم على تنفيذها، واثقة من أنها ستبقى بمنأى عن أي ردع أو عقاب، من قبل لا الأجهزة المعنية بالتصدي لمثل تلك الجرائم وحسب بل من ردود الأفعال الشعبية أو ما يعرف عند الأمم الحرة بـ (الرأي العام) لعدم وجوده اصلاً وسط طفح التشرذم والتقوقع بين جدران “الهويات القاتلة”. مناخات وشروط كفيلة بإبهار العالم كله بالأنواع الجديدة من مهن سحق وانتهاك حقوق وكرامة الإنسان، إن لم نبدأ جدياً في ردعها والتصدي لها، وبما يتناسب والتضحيات وروح الإيثار التي شهدتها جبهات القتال ضد سدنة جرائم الإرهاب والخطف والسبي (عصابات داعش) والمتجحفلين معها بقيم وسلوك وممارسات همجية، من دون ذلك ستتعرض تلك الانتصارات العسكرية الى طعنة مميتة..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة