يوسف عبود جويعد
المجموعة الشعرية “ذكريات ودموع” للشاعر عبد المطلب الشديدي، التي جمعها وقدم لها ولده بشار الشديدي، بعد أن تأكد من أهميتها، وإيمانه التام بأن والده كتب قصائد شعرية عمودية ناضجة ومهمة وغزيرة، كون تلك المجموعة هي المجموعة الثانية بعد المجموعة الاولى التي حملت عنوان “نفثات شاعر” التي سبق لي أن قدمت دراسة وافية عنها، والشاعر عبد المطلب الشديدي، ولد في المدينة الخضراء (بعقوبة) سنة 1931 م وتوفي سنة 2013 ، حيث كتب ابنه بشار الشديدي على ظهر غلاف هذه المجموعة، ما يثير الاهتمام ويحث الباحث على متابعة تجربة الشاعر حيث يقول:
“توفي الشاعر عام 2013 بعد أن سلب منه كل ما كان مدخراً لآخر العمر ولم ينصفه التاريخ ولا القوى السياسية التي طالما تعرض من أجلهم لمواقف صعبة مات تغمده الله برحته وكانت آخر أبياته:
خطوا على قبري
بيتين من شعري
قد متْ مظلوماً
والسر في صدري
ومن خلال مطالعتي لهذه المجموعة، وتفحصها، وجدت فيها قصائد شعرية متنوعة ثرة في معانيها، بليغة في لغتها، موزونة مقفاة، وقد تنوعت في كل مباحث الحياة، وما طرأ من أحداث سياسية، وأحداث عربية، ووجدت أيضاً الخطاب الوطني واضحا في القصائد التي نحت منحىً وطنياًـ ومؤثرة ومتأثرة، نحس فيها لوعة الشاعر ولواعجه والمسحة الحسية الروحية العميقة المنبعثة من أعماق ذاته، لتنصهر وتتوحد مع مفردات القصيدة الشعرية لتكون غاية من البوح الوطني ، وكذلك نجد قصائد عن كبار الشعراء مثل المتنبي، والباحث الكبير علي الوردي في رثائه، وكذلك حادثة قصف ملجأ العامرية، تلك الفاجعة والمجزرة الكبيرة، التي راح ضحيتها الكثير من أبناء الوطن ومنهم شقيقته وواحد من أسرتها، كذلك نجد القصائد الوجدانية، وقصائد اخرى عديدة، ويبدو لي أن الشاعر عبد المطلب الشديدي رحمه الله قد اعتلى منابر عديدة في الوطن العربي ومنها تونس وفي البلد، وبالأخص مسقط رأسه، وقد ضمت هذه المجموعة قصائد عديدة تتغنى بمحافظة ديالى وبساتينها وناسها وبرتقالها وخضرتها.
وفي القصيدة الشعرية الاولى “بابل” التي يتغنى فيها بحضارة بابل، وتاريخها المجيد، إذ يقول فيها:
يمم بوجهك شطر بابل
متذكراً مجد الأوائل
مجد الذين بعزمهم
حازوا المناقب والفضائل
شمخوا على الدنيا بما
حملوه من طيب الخصائل
الى آخر هذه القصيدة المطولة التي تطوف في رحاب بابل وتستعرض التفاصيل الدقيقة عن حضارتها ومجدها وعزها.
أما القصيدة الشعرية “سيد الشهداء” فأنها تطوف برحاب سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام:
لن أستطيع بأدمعي وبكائي
إيفاء حقك سيد الشهداء
سبط النبي ويا ابن حيدرة الذي
أردى الطغاة بسيفه المضاء
يا ابن البتول ونعم من قد انجبت
أكرم بتلك البضعة الزهراء
وعن مدينة البرتقال ، مسقط رأس الشاعر كتب القصيدة الشعرية “مدينة البرتقال” وهو يتغنى بجمالها وطبيعتها الساحرة:
للسعف للنخيل للقداح للشجر
يا ريشة الفن خطي اروع الصور
للواردين (خريساناً) وليس لهم
الاه من مورد صافٍ بلا كدر
للقاصدين عروش الكرم يانعة
والناشقين شذى القداح في السحر
والعازفين بغصن البرتقال على
نياطي قلبي لا عزفاً على وتر
وكتب عن الرصافي في ذكراه قصيدة شعرية تحمل عنوان “في ذكرى الرصافي” يشيد بهذه القامة الشعرية:
ذكرى الذين أعزوا العلم والأدبا
نارٌ تزيد على اضرامها حطبا
نارٌ واية نارٍ الهبت فكراً
وارهقت حس من اطرى ومن كتبا
الى آخر تلك القصيدة، وعن لبنان وحرائقها، كتب الشاعر قصيدته الملتهبة التي تحمل عنوان “لبنان تحترق”
واسوأتاه ويا ذلاه يا عربُ
لبنان تأكله النيران واللهبُ
لبنان محتربٌ لا من يناصره
أين الذين ادعوا أنهم عربُ
اين الذين اقاموا الكون في خطبٍ
رنانة ضج من رناتها الكذبُ
وعن نكسة حزيران كتب الشاعر قصيدته “ياذاكرين حزيران”
يا ذاكرين حزيراناً ونكستنا
هبوا لنمحو عاراً ظل يخزينا
عشرون مرت وعامٌ حين اذكرها
يندى جبيني لما اذكر الهونا
يندى جبيني عاراً حين اذكرها
شراذماً قد تحدتنا ملايين
أما قصيدة “ملهمتي” فإنها قصيدة مطولة، تؤكد إمكانية الشاعر على الخوض في غمار القصيدة الشعرية، والسباحة بين ثناياها بكل اتقان:
ماذا وقوفك عند الجرف تنتظر
والقادمون جميعا كلهم عبروا
فيم وقوفك وهل تبكي على طلل
بآل تذوب التياعاً حين يذكر
وعن الوطن وما حدث فيه من ويلات وكوارث وجروح نازفة، كتب الشاعر قصيدته “جرح ينز” وهي من أمضى وامر واحد وأقسى قصيدة، فيها مشاعر جياشة ومفردات تقطر دماً:
فينا التآكل أم في غيرنا الخلل
جرحٌ ينز فقل لي كيف يندمل
جرحٌ ينز فلا آس يطببه
لقد تعاصى وما في برئه أمل
لو كان جرح هوى كنا نعالجه
كما تعالج جرح العاشق القبلُ
لكنما الجرح تغَّارٌ بموطننا
فليس يشفيه تقبيل ولا غزلُ
الى آخر تلك القصيدة الطويلة الغائرة في جرح ينز والغارقة في المعاني السامية والشعرية والحسية العميقة.
وهناك العديد من القصائد التي تنحى منحىً حسياً وطنياً، وقصائد اخرى تذكرنا بما حدث للوطن في الماضي، حتى نكاد نحس ما أشبه الامس باليوم، وان الاحداث تولد من جديد.
الشاعر عبد المطلب الشديد، شاعر غيبه الاعلام، الا أن قصائده تؤكد مقدرته على اعتلاء ناصية الشعر بكل اتقان.
عبد المطلب الشديدي شاعراً في “ذكريات ودموع”
التعليقات مغلقة