هاشم مهدي السوداني*
انتهى العهد العثماني في العراق بانتهاء الحـرب العالميـة الاولى ( 1914- 1918 ) وبدأ البريطانيون المحتلون يتحكمون بالبلاد خلافاً لطموح العراقييـن وكفاحهم من اجل الحريـة والاستقلال لاسيما التصريحات والوعود الرسمية التي اصدرها القـادة العسكريون البريطانيون خلال وبعد الحرب الا انهم اخلفـوا ذلك .
ازداد سخط الشعب العراقـي وبـدأ الاحرار بالانتفاضات والجهاد ضد السلطــات البريطانيـة حتى جاءت الـشـرارة الاولى عندما تم اعـتقال الشيــخ ( شعلان ابو الجون) شيخ قبيلة الظوالم من بني حجيم عندما هبت العشائر وحررت الشيخ بالقوة وعلى اثر ذلك اندلعت ثورة (30- حزيران- 1920) وقد برز دورالعسكرييـن العراقيـين بهذه الاحـداث وغيرها مما احرج الاستعمـار البريطانـي فجلس مضطراً للتفاوض …
وفي (25- تشرين الاول-1920) تم تشكيل رئاسة الـوزراء المؤقتة برئاسة عبد الرحمـن النقيب وضمت حكومته اول وزير للدفاع الفريق (جعفر مصطفى العسكري)… وهكذا شـرع بتأسيس الجيـش العراقي في يوم (6-كانون الثاني-1921) وعقـد اول اجتماع رسمي وتـم فتح دوائر الوزارة وكان (المقر العام للجيش العراقي قصر عبد القادر باشا الخضيري) .
وفي البداية تم تشكيل الدوائر وهي (الحركات -الادارة-اللوازم- الطبابة- المحاسبات)… وقد تولى اول منصب لرئاسة اركان الجيش(الفريق نوري سعيد)وقد كانت نواة تأسيس الجيش بعشرة عراقيين كانوا في جيش الحجاز والذين حاربوا الدولة العثمانية بعد اعلان الدول العربية عام (1916) وبعد ان امتلكت هذه المؤسسة خبرة هولاء الضباط وغيرهم فخطت خطـوات كبيـرة ورصينة ابتدأت بتشكيل اول فوج في الجيش العراقي وكان باسم(فوج الامام موسى الكاظم) (ع) .. وتلا ذلك تشكيل الافواج والتشكيلات وقيادات الفرق ليخـطط باكتمال القوات الثلاث (البرية- والجوية- والبحرية) ..
وكانت للجيش صولات وجولات في الانتفاضات والثورات والحرب ضـد الصهاينة مما ترسخ في العقلية العراقيـة مشروعية الاستعانـة بالجيش بأمـور كثيرة ليتم حسمها … حتى جاءت ثورة 14 تموز 1958 المباركة التي انهت الحكم الملكي واعلان (الجمهورية العراقية) وبتأييد شعبي واسع الا ان هذه التطلعات التي حققتها الثـورة للكادحين من عمال وفلاحين بل ولكل الشعب العراقي لم تدم بعد ان طالتها المؤامرات الرجعية والدكتـاتـوريـة لتقود انقـلابا مشبوها في ( 8 شباط 1963 ) وتجرأ المجرمـون من اعدام قائـد الثورة (الزعيم الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم ) ليمر العراق بمحنة سوداء ومما (زاد الطين بلة) تسلم الحكم من عام 1963 وطيلة اكثر من ( اربعة عقود ) من قبل زمرة من القتلة والمجرميـن لتقـع البلاد بمـحن واحزان وحروب جراء التصرفـات الصداميــة التي ادخــلت البلاد والمجتمع العراقـي بجميـع طوائفه واديانه وقومياته بالمزيد من المأساة لاسيما دوامـة الحروب مع دول الجوار والتي راح ضحيتها خيرة الضباط والجنود والشباب حيث كانت اوامر السلطة الجائرة تحكم البلاد (بالحديد والنار) حتى انهار المجتمع باكمله والكل يبحث عن ملاذ هربا من المتسلطين الذين اباحوا الدم العراقي وكان الجيش العراقي الضحية الاولى عندما اجبر على الانحراف من مهنيته العسكرية حتى تدنت المستويات والمعنويات وطمر كل نفس وطني بسـبب حكومه جائره …
وتوالـت قرارات الامم المتحـدة التي اثرت على لقمـة عيش الشعـب العراقي ليفقد كل امل بعد ذلك … وفي اذار علم 2003 شنت القوات متعددة الجنسية حربها الشاملة على البلاد وادت الى احتلال العراق وهزيمة صدام واعوانه.. وبتاريخ 26ايار 2003 اصدر الحاكم الامريكي على العراق (بول بريمر) قراره سيىء الصيـت والذي بموجبـه ( حل الجيش العراقي ) … هذا القرار الذي عرض البلاد الى الخراب وفتح الحدود على مصراعيها امام الارهابييـن والمفسديـن واذناب النظام السابق الذين طال خرابهم جميع مؤسسات الدولة
لتدخل البلاد بدوامة فقـدان الامن والتخريب المتعمد والنهـب والسلب والقتل …
وهنا دعت الحاجة لاعادة الجيش على وفق عقيدة تعتمد الدفاع عن الوطن واحترام دول الجوار وبناء افضل
العلاقات لترسيخ الامن والسلام في المنطقة والعالم ، وفي مطلع عام 2004 فتحت ابواب التطوع لاستيعاب الشباب واعادة منتسبي الجيش السابق للاستفادة من خبرتهم لبناء بلدنا وجيشـنا والتصـدي للمعتديـن والارهابييـن بعد ان تم اعادة هيبـة الجيـش وترسيخ عقيدته الوطنية بدماء وتضحيات الجيش العراقي الذي ارتقى بتصديه الى العمليات الارهابية وهو يقاتل المجرمين وصناع الموت حتى اصبح انموذجاً يفتخـر به كل العراقيين ويعيـد مكانتـه وهيبته بين جيوش العالم … لاسيما بعد ان حرر الارض والعرض من دنس الدواعش ودحر ارهابهم وبمساندة شعبيه واسعه من قبل القوات البطله من ( مكافحة الارهاب والشرطة الاتحادية والتدخل السريع والحشود الشعبية والعشائرية) تتقدمهم جحافل الجيش العراقي صاحب الصولات والبطولات والانتصارات حتى تحقق النصر ورفرف العلم العراقي على ربوع ارضنا الحبيبة عراق المأثر والتضحيات .. وهكذا نحتفل بالذكرى ( 97 ) عاما لتأسيس الجيش العراقي الباسل .
*كاتب عراقي