إسماعيل زاير
عشنا ورأينا العجب ..! عشنا لنرى القاعدة وداعش وهي تصول وتجول وتعتدي وتتجاسر ، وتبشر بالظلامية بوصفها مشروعاً للتسويق كما يسوق المعتوهون قبوراً للأمم . عشنا لنرى قيادات عربية وعراقية وهي تفرش الطرق بالورود لداعش في طريقها الى احتلال اجزاء من العراق بلدنا ووطننا السرمدي النهائي . عشنا وشهدنا كيف تتفرج كتل سياسية سليطة اللسان صخابة بوطنيتها الحولاء على بيع عتاد وآليات الجيش العراقي في مزادات عند تخوم الموصل من دون ان يرف لهم جفن او ينغزهم ضمير أو قلب .
عشنا وشفنا اصحاب الشوارب المسرحية وهم يتبارون في شتم العراق لا، شتم الشعب وأطيافه . قبل ايام ظهر احد امراء الغربية على شلشة الفتن وهو يقول عن العراقيين ما يستحي عنه السفهاء . قال امير العشائر هذا : العراقيون ؟ من هم هؤلاء انهم دائحون ..!
عشنا وشفنا كيف يتبارى أصحاب الفضائيات في فبركة الأكاذيب ونشر الشائعات المثبطة للعزائم . عشنا وشفنا قناة العربية التي كانت لأسابيع قليلة تتباهى بوطنيتها ومسؤوليتها وهي تفتح مكاتبها ومقراتها لضباط المخابرات السعودية المكلفين بشن الحملة التضليلية ضد العراق بموازاة الحملة الداعشية التي استبدلت الدستور العراقي بـ « بيان المدينة « . عشنا وشفنا بقايا البعث وهي تتراقص ابتهاجاً بإحتلال داعش لنينوى . عشنا وشفنا حملات الهجوم على تلعفر وهي تتوالى املاً في اسقاطها واحتلالها واعانة الداعشيين .
عشنا وشفنا « حصان طروادة البعثي « بعد ان ادخل الزناة والقتلة القادمين من خارج الحدود وهو يتباهى ويفرض شروطه على الوطن .. قال رئيسهم النجيفي لإجتماع القيادات انه لن يقبل بالمشاركة في أي جهد الا بعد تحقيق شرطين : الأول الإذعان لمطالبه في تأسيس « اقليم سني « والثاني وضع 30 الف مسلح تمولهم الخزينة العراقية والشعب العراقي تحت قيادته .. هكذا ببساطة يريد اسامة النجيفي ان يتسلم ثمن العدوان والخيانة لصالح داعش والا لن يشارك معنا في انقاذ البلاد .
وعودة للماضي القريب نذكر اننا كنا قد قلنا قبل اكثر من عام ومن على صفحتنا الأولى انه ما من حل للقضايا العراقية العالقة من دون ان تضع القوى السياسية برنامجاً واضحاً للإصلاح الوطني وبرنامجاً للتحول من الفوضى الضاربة اطنابها الى التسليم السلمي للسلطة في اقرب ما يمكننا تطبيقه من مبدأ التناول الديمقراطي على السلطة . وحذرنا في افتتاحية عنوانها « قبل ان يحل الظلام « من ان أي خيار غير هذا انما يقودنا الى تكرار مأساة 8 شباط من عام 63 اثر اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم. ولكن لمن نشكو ولمن ننيب؟ فالمقاولون السياسيون الوقحون والإنتهازيون وممارسو الخدع الديمقراطية وحواة الساحة المتشاطرون والكتل المتطفلة على الوطن والأخرى المنتفعة من مقامرات اترابهم لم يستسيغوا ما قلنا ولم يلتفتوا الى صوت الحق، ولم يكلفوا انفسهم ولو بقدر قليل من الجهد، مسؤولية التحقق من معطيات التغيير والشطب والتفكيك وما ينجم عنه من اضرار على هذه البلاد السبية . ان وجه القرابة بين تحالفات عام 1963 وتحالفات اليوم لا تحتاج الى عبقرية او كبير ذكاء فالرجعيون والمتضررون من الوضع الراهن والإقطاعيون ومقاولو السياسة الجدد ما بعد 2003 لم يعد يرضيهم القليل بعد ان تذوقوا منافع التعاون مع اميركا ومنافع الوكالة عن السعودية وغيرهما . واصبحوا يتبجحون بالوجاهة الجديدة والممالك الجديدة والأمارة الجديدة والثروات التي هبطت عليهم من دون عناء او استحقاق .
وهذه التحالفات ، في الواقع ، ليست ، في طبيعتها ونوعيتها ، اكثر اصالة من بعضها ، فهي تحالفات عارضة مثلما الخصومات عارضة وللأولى اثمان لا تفترق عن قرينتها المتعاكسة . والطبيعة العميقة للقوى والكتل والتيارات لا تختلف في ما بينها الا في القليل والثانوي والهامشي . فهي كلها جاءت من بنى « ما قبل الدولة « بما في ذلك من بنى قبلية وطائفية ومذهبية ، اما تلك التي جاءت من جسد الحركة السياسية العراقية بمميزات المعارضة التقليدية فهي بالنسبة لهم ليست سوى نماذج عن اصول متردية من احزاب الأيديولوجيا الدكتاتورية العمياء والخرقاء التي تتغذى على شعارات ومناهج تتغزل بنهج تدمير « الدولة العادلة « … هؤلاء كلهم لم يعجبهم عبد الكريم قاسم ولم يكلفوا انفسهم عناء الإتفاق فيما بينهم على بديل للحكم ولم يناقشوا برنامجاً للسلام الوطني والتنمية . وهكذا فإنهم غلبوا بالأمس كما يغلبون اليوم ، المصالح الخاصة المباشرة على مصلحة البلاد واهل البلاد . وذهبوا الى انقلابهم الخياني من دون تردد او تلعثم وجاهروا بفخرهم في استيلاد اسوأ ما في النفس البشرية من عناصر الضعف امام غوايات السلطة والحكم والقسوة والتعسف والإستهتار بأرواح ومصائر الشعب . وعلى امتداد السنوات التي فصلت بينهم بين سقوط آخر انموذج من النماذج الإنقلابية واكثرها بشاعة والمتمثل في حقبة حزب صدام حسين اربعون سنة من الدماء والألم والظلم والمهانات اليومية تبين انهم لم يتقنوا من دروس الأمم الكبيرة ومآثر الحضارة الإنسانية في تطوير مفهوم محكم للنظام السياسي الناجح كما نراه في الغرب وفي الشرق ، في الشمال وفي الجنوب ، حيث تنعم الشعوب بخيرات السلام والإستقرار .
عشنا وشفنا كيف تناسى المتآمرون استغراقنا واغراقنا خلال تلك العقود السود في حروب ومجازر ومغامرات مدمرة للوطن والمواطن اعتقد العراقيون ان ليس ثمة شعب غيرهم ذاق ويلاتها . وبقيت القوى الغربية والشرقية في اثناء ذلك الآتون الملتهب والمؤلم والمحزن تستمتع بالتلاعب بمصائرنا واستغلال بلادنا عبر حكامه المتسلطين حتى تمنى العراقي ان يجد الموت من دون ان يجده .. وتفرق ابناء شعبه ايدي سبأ كما يقول المثل العربي . لقد حل الظلام .. ومن خلال لحيظات من الأمل شعرنا ان ضوء الشمس والديمقراطية سيشرق مجدداً على بلاد الرافدين التي تركت للأقدار الغادرة . ولكننا سرعان ما استيقظنا على الم قلبي دفين يومئ بالخوف والخشية والخطر في ان تنقبض السماء على العراق ونعود الى الظلمات التي غادرناها للتو .
لقد آن الاوان لنبدأ مسيرة استرجاع العراقيين لوطنهم واخذ المبادرة مجدداً من يد المغامرين والخونة واللصوص .. ولقد آن الأوان لنطرد الداعشيين وننظم اولوياتنا الوطنية وفقاً لشدة المخاطر والتحديات .. وسينهض العراق غصباً عن كل من خذلوه وتآمروا عليه .