الادارة الجديدة للصباح الجديد، طلبت مني ان اكتب عن صديقي الاعز المرحوم اسماعيل زاير بافتتاحية الصفحة الاولى والتي تركت لأربعين يوم فارغة، حدادا على روحه الطاهرة لتأتي مقالتي افتتاحية عرفان لجميل الصديق العزيز والذي غادرنا بصمت وذكرني في اخر لحظات حياته بالحسنى
مثل هذه المهمة ليست بالسهلة لان ذلك يعني ان اكتب عن قامة صحفية وطنية شامخة واعطي لهذه الشخصية حقها، لذا قررت ان استعين بأخي وصديقنا المشترك الاستاذ عباس عبود الصحفي والاعلامي اللامع لنكتب سوية عن فراق صديق عزيز آلمنا كثيرا فراقه فكانت هذه الافتتاحية
اصعب أنواع الكتابة هي عندما تكتب عن رجل متعدد المواهب، غزير المعارف، كثير الإنجازات، جميل المعشر، وفوق هذا كله تجمنا معه الذكريات وتربطنا به المواقف التي يصعب تجازوها، هكذا تزدحم الافكار والخواطر في نفسي وانا اكتب عن صديقي ورفيق مشواري الصحفي اللامع والكاتب الكبير إسماعيل زاير.
هذا الانسان الذي من النادر ان تكون الابتسامة قد فارقت شفتيه، حتى في لحظات الغضب يبتسم ويحاول تبسيط المعقد من الأمور، لم يعتذر عن أي دعوة اوجهها له، ولم يتردد عن قبول أي تكليف نريده منه، ولم يخلف أي وعد يقطعه، عاش معنا ضمن اسرة المركز العراقي للتنمية الإعلامية منذ بواكير انطلاقنا، نتقاسم الهموم معا، وننتج الأفكار معا، ونخطط للمستقبل معا، ونحلم بإعلام عراقي رصين ومؤثر، ونحلم بتأسيس قيم صحفية راسخة وبصحافة محكومة بالأخلاق والمبادئ لا الاجندات والمصالح.
كان إسماعيل زاير الصحفي يعزف الصحافة لحنا على أوتار الاحتراف، فقد برع في تأسيس جريدة الصباح كأول جريدة عراقية رسمية بعد سقوط الديكتاتورية، ونجح في صناعة مؤسسة صحفية متوازنة هي الصباح الجديد التي تنتج الخبر الدقيق، والتحقيق الرصين، والقصص الصحفية الناجحة التي ترفد الوعي العراقي وتضيف لأبجديات الصحافة الورقية العراقية توهجا هي في امس الحاجة اليه.
إسماعيل زاير الصحفي والسياسي والكاتب المثقف والفنان التشكيلي عاش حياته مناضلا جاهد من اجل قيمه الإنسانية، ووقف بوجه الظلم وقارع الديكتاتورية منذ بواكير حياته، ودفع من اجل مواقفه تضحيات كبيرة في سنوات طويلة تغرب فيها خارج الوطن، وعاش أياما صعبة لكنه عاد الى بلاده، واختار ان يعمل من اجلها بين صفوف المجتمع لا ان يتقاسم المغانم من خلال اللهاث خلف السلطة واصحابها.
ومنذ بداية قدومه الى بغداد اختار إسماعيل زاير ان يتزعم مدرسة الصحافة الاحترافية في العراق وان يدعم تنمية الصحفيين لمهاراتهم وخبراتهم وانفتاحهم على العالم الخارجي، ومن اجل ذلك بذل إسماعيل زاير الكثير وتخرج من بين يديه العشرات من الصحفيين المحترفين الذين يدينون له بالفضل ويستذكرونه بالامتنان والحب.
واليوم رحل إسماعيل زاير بهدوء عن عالمنا وفقدته الاسرة الصحفية العراقية التي قصرت كثيرا معه ولم تمنحه حقه، فرجل من طراز إسماعيل زاير جمع بين الذوق والإنسانية العالية وبين المهارات والقيم الصحفية من الصعب ان يتكرر فلماذا نبخس حقه بعد موته، وقد بخسنا حقه خلال سنوات حياته التي أمضاها بالعمل والجهاد من اجل تحقيق ما يصبو اليه من اهداف.
نعم بخسنا حق الرجل ولم نمنحه ما يستحق من تكريم، فمثل إسماعيل زاير يستحق ان تتوقف الدولة من اجله دقيقة صمت اجلالا لأول واهم رئيس تحرير عراقي في عراق مابعد 2003 والذي رحل بهدوء دون ان ينتبه لفقدانه سياسي متنفذ او اعلامي حديث العهد بالمهنة في زمن اختلط فيه الأصيل بالدخيل، وها قد رحل رمز من رموز الاصالة العراقية فلم يكترث لرحيله الدخلاء.
د. عدنان السراج
رئيس المركز العراقي للتنمية الاعلامية
إسماعيل زاير.. الرجل الذي لايتكرر
التعليقات مغلقة