آية ياسر
لم يكن بمقدور الفتى النحيف صاحب الزي المدرسي الباهت اللون، أن يخبر أقرانه الذين يتندرون بصنع والدته لشطائر «المفتقة»، كريهة الرائحة، ووضعها في حقيبته المدرسية كل يوم، أن أمه لا تملك المال لتطعمه ما يشتهيه من اللحوم والبيض والأجبان، وأنه يُفضلها على التضور جوعًا طوال يومه الدراسي، فكان يزعم لهم أنها طعامه المُفضل.
كان يتظاهر بأن أموره على ما يُرام وهو يرى زملاءه في بداية كل عام يرتدون زيًا مدرسيًا وحقائب للظهر جديدة، بينما هو لا يزال عالقًا مع أشياء العام الماضي التي محت الأيام بهاءها وأطفأت بريقها، لم يمانع في أن يتنازل عن كل هذا، لكنه كان يرفض أن يتخلى عن المركز الأول بين أقرانه في كل اختبار.
ولم تكن والدته التي تناديه بـالدكتور، لتقبل بأن يحصل ابنها على أقل من ذلك، بعد أن فعلت المستحيل لتلحقه بتلك المدرسة الخاصة بمنحة تفوق دراسي وبتخفيض لأبناء العاملين؛ فهي تعمل في سكرتارية المدرسة وتتقاضى بضع مئات من الجنيهات لا تغني ولا تسمن من جوع.
أما والده فلم يكن إلاّ وغدًا حقيقيًا، يعامله هو ووالدته بقسوة، ويُفضل أن يتعاطى المخدرات على أن ينفق عليهم، ولا يرى أهمية لتعليم ابنه.
لم يذرف الفتى الدموع كلما أبرحه والده ضربًا أو تشاجر مع أمه ورشقها بأبشع الشتائم أو حتى قام بضربها، ولم يبك الفتى لأنه ضجر من طعامه البسيط وثيابه الرثة، ولا حتى في ذلك اليوم الذي شعر فيه هو ووالدته بالمهانة عندما اقتحم أبوه المدرسة كثور هائج وأخذ يصرخ بصوت مرتفع ويسب الأم أمام زملائها، محاولًا أن يوجه لها اللكمات والصفعات، لكن زملاءها حالوا بينه وبينها..
انفجرت أمه باكية وسقطت على الأرض مغشيًا عليها ونقلوها إلى غرفة الطبيب، لكنه لم يتخل عن رباطة جأشه وظل متماسكًا، لكن في ذلك اليوم الذي أعلنت فيه عن نتائج اختبارات نصف العام أصابته الصدمة حين علم أنه قد تراجع إلى المركز الثاني، فانهمرت دموعه رغمًا عنه وهو يرى أحلامه تبتعد عنه وتتركه في قاع الهاوية.