بغداد – الصباح الجديد:
صدر العدد الثالث من مجلة « الاديب الثقافية « ، وهي مجلة فصلية تصدر بالتزامن مع جريدة « الاديب الثقافية « الشهرية ، يرأس تحريرها الكاتب العراقي عباس عبد جاسم ، وقد زيّن غلافها الاول لوحة للفنان العراقي مؤيد محسن ، بينا حمل غلافها الثاني لوحة للفنان حميد العطار، وتضمّن العدد الجديد مجموعة من الدراسات الفكرية والنقدية ، وطائفة من النصوص والترجمات والمتابعات الثقافية.
كتب رئيس التحرير ( افتتاحية ) العدد بعنوان ، « بِم َ أخطأت النهضة العربية في التنوير ؟ « ، وقد بحث فيها أهم أخطاء النهضة التي تناسلت في التنوير ابتداءً من إزاحة ( الاجتهاد ) وإبداله بـ « القياس الظني « من خلال اصول الفقه الاسلامي ، وكيف اتجهت النهضة العربية نحو نقد الذات من دون نقد العقل العربي– ثم وقفت النهضة أمام خيارين : اما إتباع الآخر أو الاحتماء بالتراث ، مما وضعت هذه الحيرة العقل العربي في محنة جديدة من الامتحان النهضوي ، ومن هنا أخطأت النهضة عندما لم تدرأ التعارض بين « العقل والنقل « في التنوير، حتى تحوّل الى صراع بينهما ، كما أخطأت النهضة في التنوير عندما أدلجت مشروعها النهضوي بالايديولوجيات التوليتارية ( القومية والشيوعية ) وحتى ( الاسلامية ) ، لهذا كان التنوير بحاجة الى (أنا) تنويرية فاعلة في التغيير ، وليس بحاجة الى تنوير قائم بذاته ولذاته الاسلامية أو تنوير محكوم بتبعية الآخر، كما أخطأت النهضة عندما دخلت مرحلة التنوير الاوربي من دون مثاقفة متكافئة معه ، مما خلطت الفقه السياسي بالمخيال الديني ، كما أخطأت النهضة في كيفية توطين نظرية التنوير الاوربي وتبيئة قيمه التنويرية كالعقل والعلم والحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية ، كما أخطأت النهضة عندما انساقت في مساق الانفعال بالنموذج الاوربي من دون فعل موازي له ، كما أخطأت النهضة عندما اختزلت التنوير بتمثيلات الاصطلاح الديني.
ومن تناسل هذه الأخطاء وغيرها يستنتج الكاتب بأن « أخطاء النهضة كانت نتاج أسباب ترتبط بطبيعة التنوير، فقد كان التنوير، فقد كان التنوير في عصر النهضة خلاصة عمل هجين/ اختلط فيه الاسلامي بالعلماني والفلسفي بالديني ، والايديولوجي باللاهوتي ؛ الامر الذي جعل التنوير نتاج اضطراب قيمي بين التحرّر من الدولة العثمانية ، ومقاومة الاستعمار الكولونيالي من جهة ، وأحلام الشيوعية التي انتهت بانهيار النظام الاشتراكي ، ومرحلة القومية التي انتهت بفشل الوحدة العربية.
ولتصحيح أخطاء النهضة في التنوير، يدعو الكاتب الى « تنوير التنوير» ، ثم يتساءل : هل تنوير التنوير ممكنا ً وفق تعقيدات اللحظة التاريخية المعاصرة ؟»
وتضمن باب « فكر « ثلاث دراسات ، الاول جاءت بعنوان « الغطاء الاخلاقي في خطاب المستشرقين الجدد « للدكتور فارس عزيز المدرَّس ، ويمكن الاشارة الى ثلاث نقاط رئيسية في اطروحته الجديدة الاولى : « ليس هنالك مستوى مُتحامل كالذي لازم خطاب اتباع المستشرقين امثال باتريشا كرونا ودانيال بايبس ، فالآخر لم يكتفِ بتغليف الكراهية والتحريض بغلاف اخلاقي وشعار لبرالي ، بل عمد الى نزع أي ايجابية للآخر العربي.
الثانية : « انقضى زمن الاستشراق الكلاسيكي الذي عمل على اكتشاف الشرق وتحقيق كنوزه العلمية منذ نهاية النصف الأول من القرن العشرين ، وتحوّل الى تصنيع الشرق صناعة نصوصية تلبّي رغبة الغرب في التمركز حول الذات.
والثالثة : « الاستشراق التعبوي – يحتاج الى تفكيك عبر الجديد من نظريات التحليل والقراءة : للكشف عن مقاصد واهدافه ، بُغية تحاشي مؤثراته وتبعاته الانية والمستقبلية ؛ أو على الاقل الحد منها.
وبذا قدّم المدرِّس في هذه الدراسة عيِّنة مِن عيِّناتِ الاستشراق الحديث؛ الذي أسماه بـ « الاستشراق التعبوية؛ وهناك عيناتٌ أخرى تناولتْ موضوعاتٍ التاريخ والفيلولوجيا؛ ويتمثَّل فيما كتبتْه باتريشا كرون ومايكل كوك وآخرون، فضلاً عن مجالاتٍ أخرى راح يتغلغلُ فيها هذا الاستشراق وينتشر.
وقدم الدكتور لزهر عقيبي من الجزائر دراسة بعنوان « التنوير العربي الخافت : نحو اعادة تأسيس للمفهوم « ، وقد تركزت علي محورين ( التنوير في الفكر العربي الاسلامي / التنوير في الفكر العربي الحداثي ) ثم ( الاقرار بالأنوار الخافتة ) ليتوقف عند ( جدليات الاقرار بفشل الانوار) ، ليبحث في أسباب فشل التنوير من خلال ( جدلية : الهوية الحضارية والآخر الغربي ) أولا ً و( جدل الاصولية والاستبداد ) ثانيا ً، و( مفارقة التربية والتعليم وتوظيف العلوم ) ثالثا ً ، ثم يتجه الباحث « نحو اعادة تأصيل لمفهوم التنوير العربي الاسلامي ) وذلك من خلال : ( 1 – الانوار ضمن السياق الثقافي والحضاري للأمة ) و ( 2 – العرب كمفارقة عملية).
أما الدراسة الثالثة ، فقد كانت بعنوان « القطائع المعرفية والتحوّلات المناهجية « وهي فصل من كتاب « النظرية النقدية العابرة للتخصصات « للناقد عباس عبد جاسم.
وتضمن حقل ( نقد) ثلاث دراسات نقدية : « المقاصد فوق النصية « – للدكتورة وسن عبد المنعم و» التخيّل في رحلات باسم فرات « للدكتور فاضل عبود التميمي و» شرك التوصيف ومآلات المصطلح النقدي ( السرد المفتون بذاته ) انموذجا ُ للناقد عبد علي حسن.
اما محور النقد المعرفي، فقد تضمن دراسات تعنى بـ ( النقد المعرفي) للدكتور محمد سالم سعد الله ، وقد أسهم فيه الدكتور محمد سالم بدراسة حملت عنوان « « الفكر المنهجي للنقد المعرفي « وقدم الدكتور محمد عروس دراسة بعنوان « النقد المعرفي وإبدالات الرؤية النقدية المعاصرة « وقّدم الدكتور فارس عبد الله الرحاوي قراءة في النقد المعرفي تحت عنوان « فاعلية الحوار في كتاب أطياف النص « وقدّم كل من الدكتور محمد عروس والدكتورة رانية قدري دراسة بعنوان « النقد المعرفي – نحو رؤية جديدة لإشكالية الموت في النقد الأدبي « ، كما أجرت الدكتورة رانية قدري حوارا مع الدكتور محمد سالم سعد الله حمل عنوان « منهجية النقد المعرفي. «
وتضمن باب ( نصوص ) : كتاب إبليس – فيصل جاسم / آلهة جديدة – دنيا ميخائيل / تجهمات بلا خواتيم – يوميات الضراوة – رعد فاضل / مما قالته رابعة البصرية – طالب عبد العزيز/ ثلاث قصائد – كولالة نوري / بيت « جبرا « الذي كان .. عبد المطلب محمود/ ثلاث قصص قصيرة – باسم القطراني. )
وفي باب ( ثقافة عالمية ) قدّم الكاتب والمترجم عبد الرحيم نورالدين ترجمة لدراسة كتبها الفيلسوف جان لوك نانسي بعنوان « هل هناك إنكار للإسلام من قبل أوربا ؟ « ، ولعل اهم ما ورد فيها:
- لقد اهملت أوربا ونسيت وكتبت وأحيانا ً أخفت ما تدين بهِ بكل بداهة ، للثقافات الاسلامية الناطقة باللغة العربية.
- – كان العرب خلال خمسمائة عام : الأمة الاكثر استنارة في العالم
- ينبغي اعادة النظر باستمرار في التاريخ الذي اعتقدت أوربا انها قادرت على التماهي معه منذ القرن الثامن عشر على الاقل.