سمير خليل
رياض احمد، بلبل الجنوب الغريد، تشرب صوته بحلاوة التمر وعذوبة شط العرب واغاني الخشابة ورقصة الهيوة، فبعد ان نهل من نبع الاصوات الرائدة الخالدة داخل حسن وحضيري ابو عزيز وخضير حسن ناصرية وحسن داود وعد نفسه من تلاميذهم، يمم وجهه صوب مدينة بغداد، مدينة الشهرة والاضواء والشقاء.
لم يكن يحلم (عبد الرضا مزهر السباهي) وهذا هو اسم رياض الحقيقي بهذه الالفة والتلاقي مع الغناء العراقي ولم يدر في خلده انه سيحجز ركنا مهما في خارطة هذا الغناءالرصين الحصين الذي يحتضن الموهبة والاصالة والحنجرة الصافية، هكذا توثقت الوشائج الصادقة بين جنة النغم العراقي وبين هذا الفتى البصري، وحين وضع قدمه في بغداد بداية سبعينيات القرن الماضي بدأت رحلة اخرى، رحلة شاقة،متعبة، جميلة، فبعد ان عانى كي يجد سكنا يأويه ، وجد غرفة صغيرة في احد احياء بغداد بعد ان كان قد التحق بالفرقة القومية للفنون الشعبية كمطرب مصاحب لرقصات الفرقة وباجر يومي فجذب اليه الاسماع في رقصة (الحدو) التي شارك فيها غناءا في وقت لم تستقبله فيه الاذاعة التي كانت تحت سطوة مسؤول قسم المنوعات آنذاك داود القيسي حتى انه حرم من المشاركة في مهرجان الشبيبة العالمي الذي اقيم في كوبا عام 1974بسبب عدم الانتماء الحزبي بعد ان كان قد هيأ اغنية بصرية جميلة وعلى نفقته الخاصة من اجل المشاركة في ذلك المهرجان، هذه المعوقات لم تفت في عضده بل زادته اصرارا على ولوج عالم التألق والابداع فحلق يغرد بصوت فريد وطبقة صوتية مميزة واسلوب حديث يجمع بين المقام والابوذية والسويحلي والاغنية الحديثة وكل هذا مؤطر بحلاوة تطرب الاذن وتدخلها من دون استئذان ولم ترهبه الاسماء التي ازدحمت بها الساحة الغنائية آنذاك، حسين نعمة وياس خضر وسعدون جابر وفؤاد سالم وفاضل عواد وقحطان العطار فغنى رياض(اللي حظه بوصلك) لحن كوكب حمزة و(مرة ومرة)و(مجرد كلام) لحن جعفر الخفاف و(احبك ليش ماادري!) لحن ياسين الراوي(اناشبيدي على امر الله) لعلي سرحان و(الولد نام) وهي من اروع مااحتضن فولكلورنا من عاطفة جياشة، اصبحت اغانيه تتردد يوميا ولانه كان مفرط الحساسية غزير العاطفة وقع في الفخ وابتدأ العد العكسي لحياة هذا الفنان الشقي، اصبح الانتحار البطيء اختيارا واستقبال الموت لهفة، سلاحه زجاجة الهم وسائل النار وكان آخر ظهور له في مهرجان بابل عام 1996، اطل على جمهوره يومها والانشراح باد على وجهه الموشوم بالالم فغنى وتألق كأنه يودع جمهوره الذي اكتظت به مدرجات المسرح البابلي وليلة الاربعاء الخامس من آذار عام 1997 توقف كبده بعد ان التفت عليه خيوط الموت وبعدها بيومين اي يوم الجمعة السابع من الشهر نفسه لفظ انفاسه الاخيرة وسكنت روحه محاطا باصدقائه واحبته.