كتلة أم لملوم أكبر..؟

كما هي الكثير من المفاهيم والاصطلاحات الطافحة على سطح المشهد الغرائبي لعراق ما بعد “التغيير” بمقدور المفهوم الهلامي “الكتلة الأكبر” رفدنا بالمزيد من المعطيات والبيانات عن علل وجذور متاهتنا الراهنة، والتي التفت اليها كونفوشيوس عندما وضع مهمة إصلاح اللغة على رأس أولوياته. إن إطلاق مفردة الكتلة على الكيان الذي يتشكل بعد الانتخابات، لا يمت بهذه المفردة والتي تعني التماسك والصلابة والتراص بصلة، وهي الصفات الضد لما ينتج عن ماراثون الوصول لذلك الكيان المثقل بكل مقنيات الهشاشة والتشرذم، والذي هو أقرب الى “اللملوم” منه الى الكتلة، كما برهنت بجلاء التجارب السابقة، ولن تحيد عن “ثوابته” القوافل الهلامية المقبلة. ولست هنا في موقع النقد أو الاستياء من عدم قدرتنا على امتلاك مثل هذا المفهوم على أرض الواقع؛ لأن ما يحصل هو نتاج طبيعي لحالة الهوان والانحطاط التي انحدرنا اليها (كجماعات وافراد) بعد سلسلة التجارب والهزائم المريرة التي تجرعناها في العقود الاربعة الأخيرة (قبل التغيير وبعده) وقد أشرت الى ذلك في الكثير من المقالات والمناسبات السابقة. هذه المرة احاول ان ألفت اهتمام القراء والمتابعين الى حجم العبث واللامسؤولية في استعمال المفردات، وبنحو خاص في اعلى مستويات الشأن العام؛ أي ورش إنتاج السلطات العليا في هذا البلد المنكوب. لقد استعرنا غير القليل من مثل هذه المفردات والعبارات والتسميات الحداثوية، لكنها ظلت مغتربة وبعيدة عن معانيها وروحها التي وجدت من أجلها، حتى وصل الأمر بالبعض منا لأن يطالب بالحجر عليها بوصفها السبب الأساس في مصائبنا العضال، من دون ان يكلف نفسه بمشقة الالتفات الى الحضيض الذي انحدرنا اليه.
لا نحتاج الى المزيد من الكوارث والمصائب، كي ندرك ان حالتنا الراهنة لا يمكن ان تنتج غير الكتل الاسمنتية، ومع وجودها لا أمل لنا بامتلاك كتل اجتماعية او سياسية او قيمية، تنتشلنا من هذه القسمة العاثرة برفقة حيتان التشرذم واللصوصية والشعوذة والإجرام والفساد. وما تمخض عن صناديق الدورة الرابعة للانتخابات البرلمانية دليل لا يتناطح عليه كبشان، إذ سيعيدون تدوير الكتلة الأكبر هشاشة وتشرذما وضيق أفق من الدورات السابقة. قد يبدو ذلك مثيرا للتشاؤم والقنوط، لكنها غير ذلك تماما، وهي تدعو لوعي إمكاناتنا الواقعية وطبيعة الاصطفافات والتوازنات الفعلية، وبالتالي فهي دعوة لتغيير وإصلاح حقيقي لا استعراضي وديماغوجي كما حصل حتى هذه اللحظة. كما انها تحذرنا من الفزعات الرغبوية والتي توهم الحشود الغاضبة والمستاءة من احوالها الحالية، بسهولة تغيير او إصلاح ذلك كما هو رائج حالياً، لأن المشهد أكثر تعقيداً من ذلك الوغف الذي يطلقه بعض المنتسبين لنادي الانتلجينسيا عند مفترق الطرق. غالبية المؤشرات والنشاطات واللقاءات التي تجريها الجماعات والقوى الفائزة في الانتخابات، تشير وبما لا يقبل الشك، على ان القوم لا يحيدون عن “ثوابتهم” وآلياتهم وسلوكهم الذي تعرفنا عليه في الدورات الثلاث السابقة، وما زال “فقه السلة الواحدة” وما يتجحفل معه من تبعات وفواتير وحصص، هو العروة التي سيعتصمون بها جميعاً من دون تمييز على أساس الرطانة والخرقة والهلوسات. وهكذا ستجترح لنا هذه الطبقة السياسية بواجهاتها وبرلمانيها (القدامى- الجدد) مأثرة “الكتلة الأكبر” بعد مخاض ممل ورتيب عرفناه مراراً..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة