عندما نقرأ جيداً النتائج والأرقام والمعطيات التي اعلنت عنها مفوضية الانتخابات لحصاد الدورة الرابعة لانتخاب أعلى سلطة تشريعية ورقابية في البلد (مجلس النواب)؛ سيتوضح لنا الكثير من جوانب غرائبية المشهد الراهن وعلل عجزنا وفشلنا المتواصل في امتلاك دولة حديثة وسلطات مهنية ومستقلة ومؤسسات رصينة. فعلى سبيل المثال لا الحصر تشير نتائج القوائم وتوزع الأصوات على فشل شخصية مهنية وعلمية وإدارية مرموقة مثل الأستاذ عبد الباسط تركي، في الحصول على ربع ما حصل عليه مرشحون يعجزون عن فك أبسط معادلات العمل السياسي والتشريعي. ومثل هذه النتائج تمثل الخط العام لجميع الدورات السابقة منها والحالية، حيث تساق الأصوات بشكل جمعي وسط مناخات من الغيبوبة والاحتقان؛ الى حيث الأرقام المحددة سلفاً. لقد حذرنا مرارا وتكرارا من الاستمرار بامتهان التجربة الديمقراطية، عبر هذه الفوضى المبرمجة لإعادة تدوير الأزمة وأدواتها ومخلوقاتها وسننها، هذه الفوضى التي شرعت الأبواب لكل من هب ودب، ولم يستثن من ذلك اللص والإرهابي والمشعوذ والمرتزق ومن لف لفهم؛ لخوض السباق الانتخابي والانضمام لمجلس مشرعي الأمة من دون حسيب أو رقيب. نتيجة كل ذلك هو ما حصلنا عليه من انسداد للآفاق وعودة ظافرة للطبقة السياسية الفاسدة نفسها التي أوصلتنا لكل هذا الحضيض السياسي والاقتصادي والقيمي والمعرفي والاجتماعي والخدمي الذي نعيشه اليوم. لقد قطعت هذه المناخات والشروط وقواعد اللعب التي وضعت تحت إشراف هذه الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة؛ الطريق أمام كل مشروع جاد للإصلاح والتغيير، وأمام الملاكات المقتدرة والنزيهة، في الوصول الى مواقع المسؤولية والقرار، وعلى رأسها عضوية مجلس النواب.
المعروف عن النظام الديمقراطي وأدواته الأساسية المتمثلة بصناديق الاقتراع وملحقاتها؛ أنها ترفع من شأن (الصوت الانتخابي)، لذلك تحرص القوى والأحزاب المتنافسة على كسب ثقة أكبر عدد من الأصوات لبرامجها ومرشحيها، لتتمكن من تحويل خططها الى واقع. غير أن ما حصل مع تجربتنا «الديمقراطية» ووفقاً للخلطة التلفيقية العجيبة المتبعة منذ زوال النظام الدكتاتوري الغاشم حتى هذه اللحظة؛ يتعاطى مع ما يمكن أن نطلق عليه بـ (أثمن رأسمال ديمقراطي) أي الصوت بشكل مغاير تماماً، حيث يركل النظام الانتخابي المتبع أعداد غير قليلة منها، الى قوائم ومرشحين آخرين رغم أنف أصحاب تلك الأصوات، وغالباً ما تذهب الى مرشح آخر من القائمة نفسها وفقاً لطركاعة سانت ليغو المعدل، والذي وهبنا في نهاية المطاف مجلس نواب لم يحصل 90% منهم على العتبة الانتخابية للموسم الحالي (كما الدورات السابقة). وعندما نضيف الى ذلك ما تعرفنا عليه من تقاليد عمل رسختها الدورات السابقة؛ مثل ترحيل شأن القرارات المفصلية لحيتان الكتل كي تفصل فيها، والتي غالباً ما تحسم وفقاً لفقه «السلة الواحدة» التي تستجيب لضيق أفقهم وذائقتهم المتخلفة، ندرك المكانة الفعلية التي يمتلكها «الصوت» والتي لن تخرج عن تضاريس العبارة التي وضعناها عنواناً لعمودنا هذا (أصوات أربعة بربع)، وعندما يكون حال وقيمة المحرك الأساس للديمقراطية (الصوت) هذا الحال المزري؛ من الطبيعي أن يبعد الدكتور عبد الباسط التركي وأمثاله عن سنام السلطات (البرلمان) ليحتل مقاعده من يمثل هذه الأوضاع والمناخات والاصطفافات التي يعجز عن فك طلاسمها مكتشف الصناديق بجلال قدره.
جمال جصاني
أصوات أربعة بربع
التعليقات مغلقة