أبواب جهنم

تبدو هذه العبارة للوهلة الاولى قاسية ومتعجلة، خاصة عندما تطلق من الشخص الأول في الدولة العراقية، وفي هذا الظرف الاستثنائي والعسير الذي يمر به سكان هذا الوطن المنكوب. لكن مع تحفظنا الشديد على مثل هذه المفردات المثيرة لمنسوب اليأس والقنوط، والذي وصل لمستويات غير مسبوقة في الاسابيع الأخيرة، الا انها تعكس حقيقة الاخطار المحدقة بتجربتنا السياسية الهشة والمترنحة. وعلى الرغم من الكم الهائل من الكتابات غير المسؤولة والخطابات الاعلامية البعيدة عن المصالح العليا للبلد، والتي فقدت بوصلتها بفعل رهانها المطلق على شعارها البائس (لا للولاية الثالثة) من دون اية التفاتة لما يحاك لنا جميعاً من سيناريوهات جهنمية. ومن حسن الحظ ان الاقدار قد اطاحت بالمساحيق الغليظة عن ملامح هذا السيناريو والقوى التي تقف خلفه، وهذا ما أدركته كردستان مؤخراً. ان عودة العلاقة بين بغداد واربيل هو اليوم كما كان دائماً صمام أمان التجربة الفتية، وقد اثبت الاحداث ما حذرنا منه مرارا وتكراراً عن خطر هيمنة السياسات المتطرفة البعيدة عن الحكمة والاعتدال على القرار السياسي والاعلامي، والى ضرورة اسناد المسؤوليات السياسية والاعلامية في هذا الظرف العصيب الى الشخصيات والملاكات الوطنية والنزيهة غير المتملقة للهويات القاتلة، كما هو رائج في المشهد الراهن، والذي مهد الطريق لجبهة داعش والفلول من المرور وارتكاب كل هذه المجازر والانتهاكات التي يندى لها جبين كل من ما زال يقبض على شيئاً من الحياء والعقل والوجدان.

ان تصل متأخراً خيراً من ان لا تصل ابداً، وهذا ما يفترض بمن اوصلنا لمشارف الجحيم ادراكه قبل فوات الأوان، عليهم ان يرتقوا لمستوى المسؤولية، كي يتحرروا من عنادهم واصرارهم على رمي كثبان ذنوبهم وعيوبهم على شماعة (الولاية الثالثة) وان لا يهدروا خط دفاعهم الأخير (الدستور) ولا يهرولوا خلف خارطة الدمار الشامل التي انحدرنا الى حافاتها الحادة بفعل روح الغطرسة والخواء المتنافرة وحجم الكارثة المحدقة بنا جميعاً. ان الشجاعة الحقيقية تكمن اليوم في القدرة على الايثار وصناعة التسويات العابرة للمصالح الفئوية والعنجهيات الشخصية، وبالتالي اجهاض المخطط الجهنمي المتربص بالعراق الجديد، عبر تجفيف منابع البرك الآسنة التي ترفد الدواعش والفلول بكل مستلزمات التقدم واكتساح المدن والقصبات العراقية الآمنة. وما الشحنات الاولية من الذخيرة والسلاح المقدمة من بغداد لاربيل الا بداية صحيحة على طريق مد جسور الثقة بينهما، وبالتالي قطع الطريق أمام المفاجئات المتربصة بنا خلف أبواب جهنم.

 

جمال جصاني  

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة