ختامها مخدرات

ما تتناقله وسائل الإعلام عن نشاط عصابات بيع وترويج المخدرات في العديد من المدن العراقية، يثير القلق الشديد لدينا على سلامة مجتمع ظل بعيداً عن سموم آفة الدمار الشامل هذه. هناك الكثير من المعطيات التي تشير الى جدية هذا الخطر، الذي يستهدف بالأساس روح المجتمعات وأملها في التجدد والتغيير، أي شريحة الشباب من شتى المستويات والمنحدرات. لقد مثلت حادثة اعتقال نجل محافظ النجف الحالي بتهمة نقل المخدرات الى العاصمة بغداد (بغض النظر عن تفصيلاتها) مؤشراً لا يقبل التأويل على جدية هذا الخطر المميت. تدرك مافيات المخدرات وشبكاتها الأخطبوطية، طبيعة الظروف القاهرة التي يمر بها العراق بكل شرائحه وبنحو خاص شريحة الشباب، بعد سلسلة الحروب والإحباطات التي لم تجد لها حلولاً واقعية حتى هذه اللحظة. إن انسداد الآفاق أمام هذه الشريحة وازدياد معدلات البطالة بين صفوفها، وهيمنة المواقف والسياسات المتخلفة والبعيدة عن المسؤولية في التعاطي مع الحاجات الطبيعية لهذه الشريحة المترعة بالحيوية والاندفاع والحماس، ساعد على انجراف قطاعات غير قليلة منهم الى دروب الانحراف ووهم الخلاص الفردي السريع بنهاياته التراجيدية المؤسفة. ليس هناك أدنى شك من ارتباط هذا الملف الخطير (انتشار المخدرات) ببقية الملفات المهمة التي يواجهها العراقيون (مجتمعا ودولة) وفي المقدمة منها ملفي الحرب ضد الإرهاب والفساد. لقد خلفت لنا عصابات الإجرام والإرهاب وذروتها المتمثلة بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) تركة ثقيلة في هذا المجال سترافقنا لوقت سيطول أو يقصر تبعاً لنوع الخيارات التي سنعتمدها كعراقيين على المدى المنظور. كما أن عسكرة المجتمع التي رافقت سقوط المدن العراقية بيد تلك العصابات صيف العام 2014، ستلقي بظلالها الثقيلة على تلك الخيارات.
علينا مواجهة حقيقة بقاء وتمدد هذه الآفة، والإقرار بوجود الكثير من الشروط والمناخات المساعدة لتسللها الى أعماق أوسع، لما تتمتع به هذه البضائع المميتة من مميزات للانتشار والتوزيع والاستهلاك. كما أن شبكات الفساد المختلفة ونفوذها الذي وضعنا ضمن قائمة الدول العشر الأكثر فساداً في عالم اليوم، ستوفر لهذه الآفة كل ما تحتاجه من حماية ورعاية ودعم.
لقد شاهدنا قبل أيام مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر إحدى الغزوات الظافرة للشرطة العراقية وهي تضع العشرات من صناديق البيرة والمشروبات الكحولية على شكل طوابير، لتسحق تحت عجلات عرباتها وشفلاتها، تقرباً الى الله..! وغير ذلك المشهد هناك الكثير من الممارسات والتصرفات التي تفضح لنا نوع العقليات التي تدير وتقود مؤسساتنا الحكومية على خطى ملهم الحملات الإيمانية وفلول مقلديه المنسبين لداعش. مع مثل هذه المزاودات والاستعراضات في بورصة التقوى والعفة، والإصرار على اعتماد منهج الوصاية على بعضنا البعض الآخر، لن نحصد غير المزيد من الإحباطات والهزائم الحضارية، وبالتالي المزيد من حقول ومزارع الخشاش وورش تصنيعه وشبكات ترويجه وتوزيعه لأكبر عدد من المستهلكين. إن السبيل لمواجهة هذه الآفة وكما أشرنا لن ينفصل عن حصول تحولات جذرية في السياسة العامة للدولة ومؤسساتها من الأسرة والمدرسة الى القضاء والتشريعات الحاسمة في هذا المجال. أما من يصر على استيراد عطابات البعض من دول الجوار في التعاطي مع هذا الملف، فعليه أن يتصفح جيداً حجم الفشل الذي حصدته غزواتهم وسياساتهم في هذا الميدان..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة