موسم إعادة تدوير السلطات

لم يتبق سوى أشهر معدودات لموعد إجراء الانتخابات البرلمانية الرابعة، التي من المفترض أن تحدد نتائجها ملامح ما ينتظرنا من تطورات على شتى الأصعدة المادية والقيمية. حتى هذه اللحظة تبسط القوى والكتل التي تلقفت زمام أمور حقبة “الفتح الديمقراطي المبين” هيمنتها على مفاتيح اللعبة السياسية وصناديقها وعبوات حبرها البنفسجي ومفوضيتها “المستقلة” وحشود مقترعيها المسكونين بيافطات القرن السابع الهجري. هذا هو واقع الركود والضحالة والتشرذم الذي أورثتنا إياه أربعة عقود من الهيمنة المطلقة للنظام المباد، والذي ازداد بؤساً وتعقيداً بعد أكثر من أربعة عشر عاماً مما يفترض أنها مرحلة انتقالية صوب الحرية والديمقراطية والاستقرار والازدهار الاقتصادي والاجتماعي والمعرفي. من الصعب رصد تحولات إيجابية، تتناسب وجسامة الكوارث والمحن التي عشناها قبل “التغيير” وبعده، على العكس مما يروجه البعض؛ عن تبلور بدائل سياسية واجتماعية وفكرية ينسجونها في مخيلاتهم فقط، عن قوى ديمقراطية وتيارات مدنية وليبرالية وغير ذلك من واجهات وعناوين تصدرت مؤخراً سوق التداول. ان الترويج لمثل هذه الأوهام لا يقل فتكاً عما تمارسه قوى التخلف والتشرذم التي تشكل أساس الطبقة السياسية الحالية، والمسؤولة عن كل هذا الحصاد المر الذي جنيناه جميعاً من دون تمييز على أساس الرطانة والهلوسات والأزياء. كل ما يمكن دراسته من عينات لا تشير الى وجود بوادر عافية في المجتمع العراقي، لا في الدولة وتشريعاتها ومؤسساتها وحسب بل في الطرف الآخر المفتون بيافطات المعارضة وأخواتها؛ حيث برهنت سلسلة نشاطاتهم ولا سيما التظاهرات التي تحولت الى شكل جديد من أشكال الطقوس الأسبوعية، الى كونها جزءا من منظومة الركود الحالية، التي ستعيد تدوير ما تعرفنا عليه من سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية وما يتبعها بإعلام مدفوع الثمن.
لقد برهنت جولاتنا السابقة مع صناديق الانتخابات، عن القدرات الفعلية لهذه التقنية الحضارية وعن المستلزمات والشروط المناسبة كي تمنح أفضل ما لديها للمتعاملين معها أو بالعكس، وهي بكل الأحوال تقدم خدمة لا تقدر بثمن، عبر كشفها لحقيقة الإمكانات الفعلية للمجتمع وطبيعة همومه وهرم أولوياته، وهذا ما أكدته لنا الجولات الثلاث السابقة، والتي لن تحيد عن جادتها الجولة المقبلة طبقاً لجميع المؤشرات المصخمة المتوفرة لدينا حتى هذه اللحظة. فلا من قذفته الأقدار العابرة للمحيطات الى المنطقة الخضراء، يحمل شيئا من هموم التغيير الى حيث العدالة والحداثة والحريات، ولا غالبية الزاحفين لصناديق الاقتراع لهم علاقة بمثل هذه الأهداف والمفاهيم المارقة، ومثل هذه المعادلة البائسة لن تفضي لغير إعادة تدوير السلطات وفقاً للإحصاء الديموغرافي الذي ستعلن عنه المفوضية “المستقلة” للانتخابات، بعد موعد إجرائها المفترض منتصف شهر آيار من العام 2018. موسم آخر من الانتخابات سينضم الى سابقيه في تجديد البيعة لحيتان الطبقة السياسية الحالية، وكل ما علينا فعله كي نخفف من أثر الجولة المقبلة؛ هو أن نخفض كثيراً من سقف توقعاتنا المجنحة حول إمكانية التغيير أو الإصلاح وغير ذلك من شطحات المخيلة البطرانة؛ وبهذا نكون قد امتلكنا شيء من الحكمة المطلوبة بشدة؛ للتقليل من أثر الصدمات والمفاجئات المقبلة..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة