بعد أكثر من عامين على السبات الذي عاشه برلمان إقليم كوردستان، صدرت الفرامين لممثلي الكتل المتنفذة فيه (عدا حركة التغيير”كوران” والجماعة الإسلامية) للاستيقاظ سريعاً وعقد جلسة طارئة وعاجلة لتمرير قرار إجراء الاستفتاء على مصير الإقليم في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، وهو التأريخ الذي تمرد فيه البارزاني الأب على الجمهورية الأولى العام 1961 وأفضى في نهاية المطاف الى اغتيال ذلك المشروع الوطني والحضاري بيد البعث والمتحالفين معه من قوميين متعصبين ورجعيين وإقطاع وفلول النظام الملكي والداعمين لهم من خلف الحدود. ويبدو من خلال سير الأحداث، أن زعماء الكتل المتنفذة في الإقليم يحتفظون بذكرى طيبة عن ما عرف بـ (برلمان موافج) زمن الملكية، حيث اعتاد البرلمان على التصويت وفقاً لمشيئة الحيتان الكبيرة ومصالحها وما يتم طبخه من مشاريع خلف الكواليس. ما جرى في أربيل مساء الجمعة 15/9/2017 أي قبل أقل من أسبوعين لموعد إجراء الاستفتاء الذي حددته تلك الكتل، يعدّ خطوة بعيدة عن الحكمة والشجاعة والمسؤولية المطلوبة بقوة في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق والإقليم والمنطقة بشكل عام. كما أن التصريحات المتشنجة والمترافقة بحزمة القرارات التي اتخذتها كل من بغداد وأربيل وكركوك، قد دفعت بالأوضاع الى مزيد من التدهور واللاعقلانية، وهو ما حذّرنا منه مراراً وتكراراً لكن من دون جدوى.
كان يفترض بأعضاء البرلمان عكس شيء من الاحترام لعقل ومصالح من يفترض أنه أوصلهم إليه أي (شعب كوردستان) عبر تقديم توضيح ولو مختصر عن علل كل ذلك السبات الذي عاشوه، قبل أن يشمروا عن سواعدهم وحماستهم للذود عن “حق تقرير المصير” والإعلان عن بدء الشروع بإطلاق دولة كوردستان المستقلة، عبر التصويت الجمعي بمفردة (بله) موافج على ذلك القرار وذلك المشروع الحلم الذي هدهدته عقول وضمائر أجيال متتالية من الكورد في شتى بقاع العالم. على كل حال نحن نعرف حقيقة إمكانات هذا البرلمان والذي لا يختلف كثيراً عن البرلمان الاتحادي في بغداد، بوصفه أقرب الى الإكسسوارت المطلوبة، منه الى البرلمانات الفعلية التي تضم المشرعين الحقيقيين للأمة والدولة والمجتمع. لقد كانت جلسة باهتة ولا تليق باتخاذ مثل تلك القرارات التاريخية الحاسمة، وكما يقال (فالمكتوب مبين من عنوانه) والنتائج لن تشذ عن هذه المناخات والشروط التي تم فيها اتخاذ مثل تلك القرارات البعيدة عن الحكمة وبديهيات العمل السياسي بوصفه (فن الممكن) لا عبارة (أما أو) التي يكررها في كل مناسبة رئيس الإقليم المنتهية ولايته السيد مسعود البرزاني. لقد برهنت تجارب الشعوب والأمم على أن اجواء ومناخات التعبئة والتجييش لا تجلب غير المصائب في نهاية المطاف، لأنها الشروط المتخصصة بطرد كل ما يمت للوسطية والحكمة من سبل وقرارات، وسكان العراق من شتى الرطانات والهلوسات والأزياء قد خبروا ذلك في محطات مهمة من تأريخهم الحديث، وكل من ما زال يقبض على شيء من العقل والضمير يفهم معنى العبارة التي تقول (الطريق الى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة) وقد دفعنا جميعاً (شعوب هذا الوطن القديم) ثمناً باهضاً جرّاء الهرولات والفزعات العابرة للحكمة والواقعية والتي تضع على رأس أولوياتها كسب المزيد من الأصدقاء لا صناعة الأعداء كما يجري غالباً على تضاريس هذه المضارب المنكوبة..
جمال جصاني
برلمان موافج بنسخته الكوردية
التعليقات مغلقة