إن قرار محافظ كركوك السيد نجم الدين كريم برفع علم الاقليم على الدوائر الحكومية في المحافظة، والذي جاء متزامناً ومناسبة اعياد النوروز 21/3/2017 هو جزء من سلسلة قرارات ومواقف عودتنا عليها الاحزاب والكتل المتنفذة في الاقليم، ولاسيما عندما نقترب من مواعيد الانتخابات المحلية والاتحادية، حيث ترتفع بورصة المزاودات والاستعراضات لكتل واحزاب فشلت فشلاً ذريعاً في التصدي لمهمات التحول صوب الديمقراطية داخل الاقليم أو على مستوى الدولة الاتحادية الفتية. ان تصويت مجلس محافظة كركوك بالاغلبية على ذلك القرار، بعد انسحاب ممثلي العرب والتركمان، لا يمثل انعطافة ايجابية على طريق “حق تقرير المصير” كما يتوهم البعض والذي عدّ (هذا اليوم مناسبة وطنية سيتم احياؤها كل عام) أو كما قال رئيس مجلس محافظة كركوك السيد ريبوار طالباني: (.. الذين لم يصوتوا هم اخواننا واخواتنا، وسنعمل على تقوية العلاقات معهم) عبارات وخطابات وأمنيات متناقضة وقرارات بعيدة عن المسؤولية والحكمة، ستجد انعكاساتها سريعاً على واقع هذه المحافظة ونسيجها الاجتماعي والسياسي الهش اصلاً. وهذا ما حذرت منه بعثة الامم المتحدة (يونامي) والتي استشرفت مخاطر مثل هذه القرارات والخطوات الشخصية والحزبية والفئوية الضيقة.
ان ملف المناطق المتنازع عليها وكما غيرها من الملفات التي تواجه عراق ما بعد سقوط الدكتاتورية، واجهت شروطاً وتحديات لم تتوقعها افضل مراكز البحوث التي اهتمت بعراق ما بعد التغيير، وهذا الملف المثقل بكم هائل من التعقيدات لا يمكن حله بمثل هذه “العنتريات” بل عبر السبل الديمقراطية المجربة (لا اختزالها بالاكثرية والاقلية) والعمل المثابر لتجفيف بؤر ومنابع التوتر وعدم الثقة بين سكان هذه المناطق من شتى الرطانات والهلوسات والازياء. أمام سكان الاقليم وتجربته السياسية الفتية، الكثير من القضايا والملفات الداخلية التي ما زالت تتعثر وتتعقد، وقد كشفت الاحداث الاخيرة بعد احتلال داعش للاراضي العراقية وتهديدها لبغداد واربيل، عن هشاشة حال كلا التجربتين. ان محاولات الهرب الى الامام، لن تفضي لغير المزيد من التعقيد لملف يضطرب تحت وطأة اسمه المنحوس “المتنازع عليها”.
بالنسبة لي شخصياً لا أستغرب مثل هذه المواقف والخطابات من ممثلي الطبقة السياسية التي تلقفت مقاليد الامور (من الفاو لزاخو) بعد استئصال المشرط الخارجي للنظام المباد، وهم من شتى متاريس “الهويات القاتلة” سيواصلون نشاطهم في التخصص الذي يجيدونه؛ أي صب الزيت على بؤر التوتر واعاقة بعضهم للبعض الآخر، وهذا ما دونوه بكل عزم واصرار طوال أكثر من 14 عاماً على التغيير، وفي خطوة كاك نجم الدين الاخيرة مثالاً لا يتناطح عليه عنزان على ذلك الاصرار والعنفوان. ان يصوت ممثلي الكتل الكردية على مثل هذا القرار، البعيد عن اختصاص مجلس المحافظة، ومن دون الالتفات الى انسحاب ممثلي بقية الكتل، وكذلك الموقف الدولي والاقليمي من مثل هذه القرارات، يعني ان الاولويات الحزبية والفئوية والشخصية قد امتطت مجدداً صهوة الشعارات الجميلة لحق تقرير المصير وما يتجحفل معها من لافتات، كي تؤمن لمصالحها المتنامية وحيتانها الشرهة واقطاعياتها السياسية؛ نفوذها وسطوتها في تقرير مصير من رمته الاقدار العابثة على سهول وجبال هذا الوطن المنكوب..
جمال جصاني
غزوة كاك نجم الدين والذين معه
التعليقات مغلقة