لمن ستقترع “المكونات”..؟

ونحن على أبواب الدورة الرابعة للانتخابات البرلمانية، نجد القوى والكتل الأساسية في المشهد الراهن، قد انخرطت مبكراً في حملاتها الدعائية والترويجية لعناوينها الجديدة وحيتانها القديمة؛ حيث انطلق الكرنفال التعبوي لحشد مريديها وأتباعها لخوض المنازلة المقبلة، استناداً لما تراكم لديها من تجارب وعبر. المعطيات الصادرة عن المفوضية المستقلة للانتخابات تشير الى انخراط عدد لا مثيل له من “الأحزاب” والتنظيمات (أكثر من 250 عنوانا) من دون أن يثير ذلك مشاعر الشك والقلق على ما سيتمخض عن ذلك من كوارث ما زلنا نسدد أثمانها وفواتيرها القاسية على حاضر ومستقبل هذا الوطن المنكوب. عندما نتمعن بهذا المشهد الغرائبي للانتخابات المقبلة، ومع غربلة بسيطة لطوفان “الأحزاب” هذه، ستبرز أمامنا الملامح الفعلية للقوى الفاعلة التي ستكتسح صناديق الاقتراع، حيث سيتلاشى وغف هذا الطوفان؛ ليمكث في النتائج التي ستعلنها المفوضية ما يمثل “المكونات” والقوافل المنحدرة لمضاربنا من مآثر القرن السابع الهجري.
في العمق لا جديد في الخارطة السياسية لعراق ما بعد الانتصار العسكري على عصابات داعش، لكن على السطح هناك الكثير من الصخب والضجيج والادعاءات والاستعراضات، حيث التدافع الشديد بين ممثلي “المكونات” للتنصل عن كل ما حصل من أحداث تراجيدية طوال 14 عاماً من “التغيير” وإلقاء تبعية كل ذلك على بعضهم البعض الآخر، من دون أن يكلفوا أنفسهم بالالتفات الى ما ارتكبوه بحق سكان هذا الوطن القديم، عبر المتاريس والخنادق التي حفروها عميقاً على أساس مسطرة “الهويات القاتلة” والتي اعتمدوها جميعاً في خطاباتهم وسلوكهم وممارساتهم. جميع المؤشرات تؤكد بأنهم (أفراداً وجماعات) لن يحيدوا ولن يخذلوا “مكوناتهم” فهم يدركون كأي تاجر في حقل اقتناص المقاعد والحصص، أنهم لن يصلوا لأهدافهم هذه، إن تمردوا على إرادة من كرسوا كل مواهبهم من أجل التأسيس لها؛ أي كتل “المكونات”، وما قذائفهم الدخانية التي تسبق مثل هذه المواسم الانتخابية، حول (الكتل العابرة أو الوطنية والمدنية و..) فلا تعدو أكثر من اكسسوارات وحفلات تنكرية يستعان بها كسراً للرتابة والملل.
النتيجة محسومة سلفاً لصالح ممثلي “المكونات” لأن لعبتنا الديمقراطية مفصلة طبقاً لمقاساتهم وغاياتهم النهائية، وما استهلاكهم الواسع لمفردات عابرة لهذه المتاريس الضيقة، إلا من ضرورات العمل التي تساعدهم في التسلل الى ما تبقى من المترددين بين الصوبين. أما ما تبقى من أنقاض المرحلة الوطنية في تأريخنا الحديث، من بقايا أحزاب ويافطات وشعارات وطنية وحداثوية، فقد تحولت على يد مالكيها الحاليين الى واجهات تؤجر بأبخس الأسعار. ها قد مر أكثر من عقد على “التغيير” شهدنا فيها سلسلة من الجولات الانتخابية وتعرفنا على عدد من الكابينات الحكومية، وشرعت الأبواب أمام كل أنواع النشاطات السياسية والاجتماعية والإعلامية؛ إلا أننا لم نتمكن من بناء حزب سياسي واحد على أساس وطني وحضاري حديث، وها نحن على أبواب الجولة الجديدة من الانتخابات، من دون حصول أي تحول جدي في الخارطة السياسية وتوازن القوى، حيث شهدت الساحة مؤخراً نشاطاً محلياً وإقليمياً ودولياً واسعاً، من أجل رص صفوف “المكونات” عبر اعتماد مرجعيات موحدة لها. مع مثل هذه المناخات والشروط وفلاتر المحاصصة الإثنية والطائفية وتشريعاتها الملغمة وهيئاتها التشريعية والقضائية المذعورة؛ لن تمرق الصناديق عما رسم لها من نتائج وأرقام ديموغرافية راسخة..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة