علوان السلمان
ـ الشعر هو اللغة في وظيفته الجمالية…
النص الصوري(الوامض) بناء فني ابداعي تشكله اركان تقترن بالجانب البصري او الطوبوغراقي أو الجانب التركيبي..متمثلة في(الحكائية الشعرية المكثفة والوحدة الموضوعية والرمز والايماء والتلميح والمفارقة الاسلوبية المتوهجة..المفاجئة..)
وباستحضار النص الشعري(الكتلي) ــ ترنيمة الغائب ـ الذي نسجت عوالمه النصية اللحظوية ..المشهدية التي تمر في المخيلة بتكثيف واختزال جملي متوالد نتيجة اقتصاد لغوي في المفردات.. وايقاعي وصوري وفكري في التراكيب.. أنامل منتجه الشاعر عبدالكريم كاصد بعد ان نضحته ذهنيته المكتنزة بذاكرة استثنائية تعانق واقعها وتساير المسيرة اللحظوية للمتغيرات الحضارية والعصر…والتطوّر العلمي والتقني والرقمي وما طرأ على الذهنية الانسانية من تحولات ومتغيرات فكرية اسهمت في ايجاد نتاج شعري اطلق عليه(النص الومضي أو الصوري أو اللحظوي…) والذي يعتمد تقنيات فنية كالانزياح والتناص والترميز والانسنة والحذف والاضمار.. ابتداء من الايقونة العنوانية بفونيميها الرامزين اللذين شكلا دلالة سيميائية كاشفة عن المضمون المتني للنص..
أنا الحارس الليليّ
في نهاراتٍ لا تُحصى
أعدُّ نجومي
وأنتظر الشمس
*
أيها الربّ
بذرةٌ أنا
نثرتَها في جنّةٍ
فأورقتْ في الجحيم
أكلٌّ هذا العبور
وما مرَّ من أبحرٍ وصحارى
تسميه منفىً؟
فماذا تسمّي إذن ما انتهيتُ إليه
أنا الجالس أصطادُ على ضفّة نهرٍ يابس؟
فالنص يكشف عن تجربة رؤيوية متفجرة عكست الحالة الانفعالية والانفتاح الدلالي والتقابلات الثنائية واستنطاق المكان الذي منح النص تشظيا جماليا واسهم في تخصيب المعنى وتكثيفه..فقدم صورة ذاتية تعتمد موسيقى الاستجابة لإيقاع الحياة..كونه نتاج العلاقات الداخلية بحكم الارتباط الوثيق ما بين الدلالة والصياغة اللغوية التي هي(سلسلة من الحركات الصوتية المقترنة بسلسلة من الحركات الفكرية..)..
أوه.. يقول الحجر
أوه.. يقول الطائر
ما أبعدَهم!
النجوم أقربُ إليّ…
أيُّها الربّ
سأقفزُ إليها من نافذتك الآن
فلا تغلقْها
لا تغلقها أيها الربّ
فالمنتج(الشاعر) يحاول خلق عالم متميز بنسقه الجمالي ضمن وحدة موضوعية معانقة لفعلها الاستدلالي والانفعالي الشعوري الذي ينم عن عمق المعنى والرؤية..بشعرية ترقى من المحسوس الى الذهني باعتماد نثرية شعرية تلتقط الجزئي من الوجود والاشياء لخلق عوالمها الجمالية والاسلوبية المتعددة..التي تسهم في بناء نص متجاوز للمألوف بتعطيلها للأوزان والقوافي والاكتفاء بالموسيقى الداخلية المنبعثة من بين ثنايا الالفاظ المشحونة بطاقتها الايحائية. فضلا عن اعتماده على تقنيات فنية واسلوبية كالتكرار الدال على التوكيد
فضلا عن اعتماده على تقنيات فنية واسلوبية كالتكرار الدال على التوكيد من جهة ومن جهة اخرى اسهامه في اشباع المعنى واضفاء موسقة مضافة على جسد النص.. اضافة الى تحقيق بواعثة المتمثلة في الباعث النفسي والايحائي باعتماد لغة يومية..والنداء (الحركة الزمنية المتراكمة بتأثير الصور في وجدان الشاعر تراكما كثيفا مترابط الوحدات وهو يعتمد النمو الزمني ..).. اضافة الى توظيفه الرمز الذي هو (اداة فكرية للتعبير عن قيم غامضة..لغرض تصعيد التكنيك الشعري)..اذ فيه ترتفع التجربة الشعرية الى حالة من الشمول..وهناك اسلوب الاستفهام الباحث عن الجواب من اجل الاسهام في امتدادات التجربة والكشف عن عوالمها..
كم قطعنا طرقاً نجهلها
طرقاً بلا شاراتٍ ولا أعلام
لنحطّ هناك
كائناتٍ فضائيّةً غريبةً
ننتظر طويلاً أمام بوابةٍ
لا ندخلها
وإن دخلناها فقد لا نخرج منها أبداً
فالنص مكتظ بالإحساس الجمالي والتوهج الشعري لاقتحام ما بقي من الخراب فيرسل خطابا صوريا يتمركز حول تشظيات المفارقة المرة حتى تصل بعض نصوصه الى ما يشبه الكوميديا السوداء واللحظة الشعرية التي تشتغل عليها مجمل النصوص التي تحفل وتعتني بالهاجس الصوري..اي انها نصوص بصرية اكثر مما هي تجريدية تعمل بقصدية الاثارة…مع ان هذا الاشتغال يحتاج الى فضاء شعري اكثر سعة واستثمار كمي على مستوى الالفاظ.. لكن براعة الشاعر وقدرته على توظيف الاختزال الجملي والتكثيف في التقاط الصور التي تنطوي على ما هو يومي ومسكوت عنه ليضعه بانفعال شعري في اطار صوري تعبيري يحفل بالمفارقة وتعمق الاحساس بها وصراع المتناقضات..
أجل..
هُمْ ذهبوا إلى المقبرة
ونحنُ: إلى أين؟
الوطن والمنفى
كلاهما بعيدان
فالنص يستمد جماليته من بنائه المتماسك بتكثيف عباراته ومجازاتها وموجودات الواقع والذاكرة التاريخية والبنية الذاتية النابعة من الرؤيا المحققة للصورة المرتبطة بالتجربة..مع اعتماد المفارقة لتحقيق الدهشة الشعرية التي تعد عنصرا اساس من عناصر بناء النص..
من كل هذا نستخلص ان نصوص المنتج(الشاعر) تتشكل بمستويات فنية تتراكب عضويا لتنتج الصورة الشعرية المحركة للذاكرة والموقظة لمكامن الشعور والباعثة للتوترات السايكولوجية لحظة خلقه.. المنبثقة عن الذات الكاشفة عن جوهر ها وبناها الداخلية بلغة ترتبط بمرجعيات المنتج(الشاعر) الفكرية والعوامل الذاتية والموضوعية التي تسهم في تشكيل تجربته وتترجم تصوراته واحاسيسه..
نذرعُ الارض طولاً وعرضاً
فمتى نلتقيك؟
فالنص عند (الكاصد) ينم عن تجربة محكمة في معانيها لأنه يمتلك خزينها الحدثي فينظمها شعرا معتمدا الخيال والمجاز اللذان هما اداتان اساسيتان للعملية الشعرية والمساعدان على المغامرة باختراق اللغة اليومية التي تتسم بالوعي الذي يعني الموقف الفكري الملتصق بالإنسان عبر منظور واع لفنه الشعري ..كون الشعر عنده امتداد مدروس لمعطيات الزمن وصراعاته..
فضلا عن إن النص عند المنتج ينطلق من الخارج الى الداخل بحكم رؤاه المثقلة بالرفض والاغتراب، فيلامس الذات الجمعي ليشاركه همه بتوظيف قوة خياله في عملية الخلق الشعري التي تتأتى من مجازات الصورة الشعرية التي هي (تعبير عن عملية الخلق الجمالي لعناصر الرؤيا الذاتية المستمدة من المعاناة الانسانية العامة ثم التدرج الى نقل ذلك الى واقع الاشياء الموضوعي..) كما جاء في معجم المفصل في اللغة والأدب.