أحمد عبد المعطي حجازي والحداثة المسروقة!

سلام مكي

من أول من كتب في الشعر الحر؟ أو: من صاحب أول قصيدة كتبت بطريقة الشعر الحر؟ سؤال طالما أخذ مساحة شاسعة من النقد الأدبي العربي، واحتل لزمن طويل مساحات من الصفحات الثقافية للصحف العراقية والعربية، فخاض شعراء حروبا فيما بينهم لإثبات أنه أول من كتب القصيدة بنظام التفعيلات، لا الشطرين، فمرة نازك الملائكة، تقول أن قصيدة ” الكوليرا” تمثل أول محاولة حقيقية للشعر الحر، فيما يرد السياب، بأن قصيدته: هل كان حبا؟ أسبق زمنيا من ” الكوليرا” ناهيك عما قاله البياتي والحيدري، وحتى البريكان، كان يرى أنه سبق الجميع بكتابة القصيدة التي تعتمد التفعيلة، والذي سمي فيما بعد بالشعر الحر. فكان حديث أسبقية الشعر الحر، ينحصر بين الشعراء العراقيين، حتى ظهرت كتابات متأخرة، تسعى للقول بأن الحداثة الشعرية، لم تأت من العراق، بل هنالك محاولات وكتابات سبقت السياب والملائكة والبياتي والحيدري، لكن الحديث المتكرر عن السياب والبياتي، جعل من الاشارة الى محاولات الشعراء العرب، أمرا منسيا.

من الكتب التي سعت لتفنيد تلك الحقيقة التاريخية، هو كتاب الشاعر المصري ” أحمد عبد المعطي حجازي” قصيدة النثر، أو القصيدة الخرساء. هذا الكتاب، الذي كرّسه للدفاع عن حقيقة لا وجود لها سوى في مخيلته، وسعى جاهدا للدفاع عن بلده مصر، ضد محاولات كتاب عرب ومصريين، إعطاء دور لسوريا ولبنان والعراق في حركة الحداثة الشعرية، دون ذكر مصر، أو دون منحها الدور القيادي، وهو أمر سعى حجازي لإثبات عكسه، بكل السبل، مخالفا بذلك نقادا كبار مصريين، من أبناء جيله الذين كتبوا بشكل موضوعي متجرد، من القومية والوطنية.

ما يهمنا في هذا الكتاب، أنه وصف ما قام به السياب والملائكة، حين قال: ودور مصر في حركة الشعر الحر هو الدور المسروق!! لأن بعضهم يتناساه ويتجاوزه عامدا متعمدان وقبل ان يكتب السياب ونازك الملائكة قصائدهما الجديدة في أواخر الاربعينيات، ظهرت في مصر تجارب أبو شادي وباكثير ولويس عوض وعبد الرحمن الشرقاوي، وإذا كان السياب ونازك والبياتي قد سبقوا زملاءهم المصريين كصلاح عبد الصبور وكاتب هذه السطور ببضع سنوات، فلقد سبقنا نحن أدونيس والماغوط وسواهما ممن لم يظهروا إلا مع ظهور مجلة شعر في بيروت سنة 1957 وكان صلاح عبد الصبور في ذلك الوقت مشهورا وكانت قصائدي الأولى قد ظهرت قبل ذلك بعامين على الأقل.. نأتي الى تفكيك كلام حجازي، والرد عليه بشكل هادئ وبعيد عن التعصب والانحياز، لهذا البلد أو ذاك. فهو يرى أن أبا شادي وباكثير ولويس عوض سبقوا السياب والبياتي ونازك، الذين سبقوا حجازي نفسه وصلاح عبد الصبور بكتابة الشعر الحر، بضعة سنوات!! ولو جئنا الى السياب، فقد كتب قصيدته: هل كان حبا؟ عام 1947 والملائكة كتبت” الكوليرا” في نفس العام. أما حجازي، الذي يرى أن السياب والملائكة سبقوه بضعة سنوات، فقد كان أول ديوان له عام 1959 بعنوان مدينة لا قلب، أما عبد الصبور، فأول ديوان له كان عام 1961. فالفرق بين السياب وحجازي 10 سنوات، أما بينهما وبين عبد الصبور فأكثر 14 سنة، فكيف يكون الفرق بينهم بضع سنوات!!

أما عن قوله بأن لويس عوض وباكثير وأبا شادي، سبقوا العراقيين بالشعر الحر، وبالنسبة لعلي أحمد باكثير، فهو لم ينل الجنسية المصرية إلا عام 1951، أي بعد كتابة السياب لـ هل كان حبا والملائكة لـ الكوليرا، بـ 4 سنوات. أما لويس عوض، فله ديوان بعنوان: بلوتو لاند وقصائد أخرى، نقرأ بعض ما جاء في هذا الديوان:

مرة ظبطت عودي

ولما طلت نيني سندته بخدودي وصحت من أنيني:

نسجت لك أحلامي

بساط عريض، عريض،

خيوطه من غرامي

طول الليالي البيض…

وفي قصيدة بعنوان ” تابلو” نقرأ:

جنية لها ريش،

اتمددت عريانة

تتشمس ع الحشيش

وطبقت خجلانه

ستاير الرموش

حر الجنوب لفحها

قالت تعال حوش!!

فهل يمكن مقارنة هذا الكلام، بما كتبه السياب من قصائد بقيت خالدة الى اليوم، مثّلت ولا زالت تمثل قيمة إنسانية عليا، عبر بها الشاعر عن مشاعر صادقة، كانت لسان حال الانسان المقهور والمعذب، قصائد بقيت سنين طويلة راسخة في أذهان الناس.

لذلك، نجد أن القول بأن العراق سرق الحداثة من مصر، هو كلام لا صحة له، ولا أساس له من الواقع، حيث أن التاريخ الشعري، قد وثّق وبما لا يقبل الشك أن الشعر الحر بدأ من العراق، على يد السياب والملائكة والبياتي والحيدري وغيرهم.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة