المضمر والظاهر في «(الرقص بلا رياح»

يوسف عبود جويعد

رواية (الرقص بلا رياح) للروائية ولام العطار، نكتشف من خلالها أن للسرد الروائي، وجوهاً متعددة ومختلفة، وليس بالضرورة أن يتناول الروائي، الاحداث بصورة تقحم القارئ اليها، دون أن تكون هنالك معالجات فنية، تسهم في سحبه إلى الفضاء الروائي، ليكون السياق الفني التي ستتخذه لتقديم روايتها هذه بعد أن نعرف أن الثيمة التي انطلقت منها تتعلق بفقد إنسان عزيز عليها، وكان يمثل لها حياتها برمتها، حيث كان يشاركها التفاصيل الدقيقة من مشوار عمرها، طموحاتها، أفكارها، مستقبلها، تطلعاتها، ماذا تحب، وماذا تكره، حتى أنها خالته الهواء الذي تتنفسه، وهكذا وعندما فقدته ظلت تعيش غيابه، وكأنه حاضر معها، يشاركها مسيرة حياتها، بل أنها تمنته أن يرافقها ما تبقى من عمرها، حباً وتعلقاً بأخيها جعفر دون سواه من أفراد أسرتها، مثل أخيها الاكبر داود، وأمها، ومن هنا نعرف أن الباعث الرئيس لتدوين هذا النص، هو فقدان بطلة هذا النص وديعة لأخيها جعفر، التي ظلت تعيش ذكرياته، كما أن المستهل الاول الذي اختارته الروائية عتبة نصية اولى للرواية يؤكد ما ذهبنا اليه، فضلاً عما سنشهده من أحداث مقاربة وقريبة لتلك العتبة النصية التي تقول فيها:
(إلى..
روح الشهيد عبد الرضا العطار.. الذي غيبته مقابر الطاغية!!)
وهو شقيق الروائية، بينما نتابع داخل متن النص السردي الروائي، أن وديعة العطار تقدم لنا رحلة عن أخيها الذي غيب، وظلت تعيش فقده وحرمانها منه، وهذا التجانس ربما يؤكد لنا أن وديعة العطار هي الصورة التي استنسخت لتكون بطلة هذا النص، وكذلك أن هذا التفاعل وهذا التداخل بين الروائية والبطلة نتج عنه لغة سردية مختلفة عن اللغة الاعتيادية، فهي مجموعة تراكيب موحدة بين اللغة الشعرية الحسية المتأثرة بهذا الفقد، ولوعة الأخت عندما تفقد أخاها وهو بالنسبة لها الحياة التي تتنفس منه الهواء، فضلاً عن إحساسها بالضياع والغربة، وهكذا جاءت اللغة من داخل روحها ووجدانها وكيانها مع تلك العناصر لتشكل لغة خاصة تنسجم ومجريات السياق الفني لهذا النص:
(يداعب أخي شعر رأسي بود أشعر أن لأصابعه قدرة على محو أحزاني واضطرابي ارفع راسي إليه فيصدمني ضوء العينين المتوسلين بالصمت، أصمت برجاء فيأخذ كتابه إلى صدره ويمضي مشيداً عوالم لا أصدق إني قادرة على الوصول اليها، افتح عيني ببطء متحدية قلب الظلمة التي استحوذت على فضائي فانتبه إلى صوت ناعم يهز مخاوفي) (ص 12 )
ومن هنا سوف نكتشف أن السياق الفني لعملية بناء الرواية، يعتمد على محورين رئيسين، هو السرد الداخلي النابع من الذات المتأثرة، والآخر هو السرد الخارجي، الذي يخص حياتها وما يحدث فيها، وهي رافضة له شكلاً ومضموناً، ومع هذا فأن الحركة السردية لكلا المحورين، استخدمت فيها الروائية ذات اللغة، لتشابهما مع بعضهما، حيث في السرد الداخلي ستعيش رحلتها مع اخيها الراحل عن عالمها، بينما في السرد الخارجي وبسبب تسلط اخيها الاكبر داود وتزويجها عنوة برجل لا تعرف حتى اسمه، وفشل تلك الزيجة وعودتها خائبة لبيت أهلها، لأنها لا تطيق أن تشاركه حياته، لأنه لم يكن الرجل الذي تريده، فقد وجدته مستسلماً خنوعاً ذليلاً، من أجل الفوز بحضن امرأة، وهكذا تجد وديعة الحاجة ملحة لحضور الغائب، الذي يعرف ماذا تريد، ويستطيع أن يوفر لها اسباب راحتها:
(وأنصت لضحايا الأقبية المظلمة ، وحملت بين طيات قلبي شوقاً، كان يحطم وحشتي، وكنت أنصب عروشاً، ما تلبث أن تهزم كوابيس الليل أدمنت الوصول إلى غايتي راسمة خيوطاً من نور، رأيت أرصفة المدائن العابثة بالفناء، رقصت دون أن يلحظني المد وتربعت عند ضفاف البحر، أسقطت جسدي المسوى بالصمت، وصرخت لأبدد ظلام الوحشة، دونت رجفات العشاق وانتفضت الأرض، مأخوذة بالنشوة، أترنح أمشي، أصرخ، أنام، احلم( (ص 96 )
وهكذا تسير الأحداث بإيقاعها الشعري، وبنسق واحد من بداية السطر الاول للأحداث وحتى انتهائها، وهي لغة فيها القدرة على الاستحواذ لاهتمام القارئ وزجه بكل هدوء لمواصلة حركة السرد، وهكذا وعندما نتحول الى السرد الخارجي نجد ان الزوج الذي رفضته يعود ثانية ليزجها الى عالمه القميء:
(بطرف عيني وباختصار مقصود أراه، فيبدو أمامي مثل صرصار قميء ملطخ بالأوحال، كيف يمكن أن أسلمه قيادي وأنا اعرف المستنقعات التي تسكنه والوحول ترفل بين ثناياه ليل نهار، يعود عند منتصف الليل ورائحة الخمر تفوح من فمه وملابسه، رائحة تشبه رائحة جثة متعفنة، تحت ضغط أحزانه يهم ببكاء متوسل، فلا يرق قلبي، ولا تشعر روحي إزاءه بالعطف، أنا التي تبكيها أقل المشاهد إثارة، بحركة
عصبية اتركه لكنه يسحبني برقه، محدقاً في ضوء عيني الخابيتين مثل موقد نار،) (ص 142 )
وهكذا تسير حياة وديعة بين محورين شكلتا الرؤية الفنية لحياتها، وظل ضوء الاخ الحنون المتعاطف يحيطها ويشكل لها هالة نور ينير دربها، بينما واقعها كان رحلة من الأوجاع والحزن.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة