علوان السلمان
الشعر نتاج ذاتي يكشف عن وعي جمالي ومعرفي ينطلق من لحظة حدثية ورؤية جدلية ليعيد تشكلها منتج واع بنسق متفرد بوظائفه ومكوناته وازمنته..
وباستحضار المجموعة الشعرية(احلام الذبول)التي افرزتها الخزانة الفكرية لمنتجها الشاعر حامد عبدالحسين حميدي ونسجت عوالمها النصية بشقيها (النثرية والعمودية) انامله، واسهم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في ميسان في نشرها وانتشارها/2021…كونها تقوم على اشتغالات تتساوق في تشكيلاتها كوامن الوجد بصور تمازج ما بين الواقعي والتخييلي عبر سياق حسي مقترن بالحياة،مع تنوع مضامينها الاجتماعية والعاطفية،ابتداء من الغطاء الخارجي (واجهة الغلاف الاولى)بنصوصه الموازية الكاشفة عن عوالم النسج النصي وعنواناته الفرعية التي (تمثل مجموعة البيانات المحيطة بجسد النص)على حد تعبير جيرار جنيت، والتي تتجلى في الخطوط والالوان التي كشفت عنها لوحة تجريدية حالمة، اعتلتها الايقونة العنوانية بتركيبها الجملي الاسمي المضاف.. بفونيميه المكتنزين بدلالات نفسية..
بعيدا عن ثرثرة المدن الموجعة
بانكسارات المرايا..
التحليق يليق بالذين يوزعون ابتساماتهم على كل المارة
وهم ينشدون للحياة..
للضوء المتساقط من عيونهم
ربما انك آمنت بنا..دون العزلة..
دون الفراغات التي تلوذ بالصمت والوجع
وآمنا…انك حاضر في كل المهرجانات
من دفاترك المخبأة.. تنز ألف تغريدة وتغريدة اربعاء..
يا أيها الحزن.. وشواطئ الفجيعة
لم يستطع احد ان يرثيك
فكيف نرثي من تساقط الندى من بين يديه
لتتفتح أزاهير بوصلة الزمن نحو الوراء.. /ص34 ـ ص35
فالنص يقوم على الاضاءة الشعرية الكاشفة عن لحظة شعورية مكتنزة بدلالاتها الفكرية والوجدانية، مع اقتراب من الحكائية الشعرية بتدفق وجداني يتحرك وسط دائرة الوعي الشعري..مع تركيز على الخصائص الحسية لإبراز جمالية النص المنبثق من كينونة اللفظ والاثر الذهني بتجاوز الواقعية(بانزياح معيار اللغة)على حد تعبير جان كوهن،لذا فهو بمجمل مكوناته ودلالاته اللفظية المعبرة عن الحالة السايكولوجية باسلوب درامي يتداخل والسياق الجملي بقدرته التعبيرية المختزلة التعابير التي تتشكل بنيتها النصية وفق تصاميم تنم عن اشتغال على الجزئيات فينسجها نسجا رؤيويا يرقى من المحسوس(الواقعي) الى الذهني (التخييلي) بشعرية تمركزت بها العواطف بمستويات وصور متعددة الدلالات، فضلا عن توظيف تقنيات فنية واسلوبية منها النداء الاسلوب الطلبي، التنبيهي، والوسيلة البلاغية والنحوية التي تسهم في تحريك افق الاحساس، اضافة الى التنقيط التشكيل البصري الدال على الحذف (المسكوت عنه) والذي يستدعي المستهلك (المتلقي) لملء فراغاته..
أنت الضياء..وظل النـــخل يحضنه
بين الفيافي تجلى الفـــــكر ملتـهبا
يا ابن العراق ويا أوجاع حاضــره
ان الرزايا قضت حلــــــمنا سغـــبا
نقلب الكف عــــما فات من زمــــن
نراه يهذي لعـــمر قارع الصــــخبا
دع الملامة في اطـــــمارها صرفت
وان سقتها صروف الدهـر ما وهبا
ورأيك الحر يا من صاغ فــــكرته
(فلم افصر بأمر كان قد وجــبا) /ص69
فالمنتج(الشاعر) يوظف نغمة شعرية تصارع الوجود بكل اشيائه عبر الفاظ بعيدة عن الضبابية والغموض،فيبني نصا معبرا عن حس ذاتي بعيد عن الزخرفة اللفظية محاولا استنطاق الحياة اليومية بكل تناقضاتها وتفاصيلها، اضافة الى توظيفه الفعل الدرامي الذي يأخذ ابعادا نفسية تؤطر جسد النص بالاتكاء على رؤية جدلية،فضلا عن اعتماده تقنية الانسنة لتحريك الاشياء واضفاء رؤى بصرية،تجسيدية محركة للنسق الشعري من خلال تكثيف مداليل الصور التي تستدعي المستهلك(المتلقي) لسيرورتها الجمالية وتوهجها القائم على مرتكزين: اولهما المرتكز السردي الشعري، وثانيهما التعبير الذاتي الذي يكشف عن روح التداعي،بتشكيل بصري يتحرك وحركة الذات وتحولاتها الشعورية،المنبثقة من معطيات واقعية تنطوي على دلالات مكتنزة بقدرتها البنائية ومضموناتها الانسانية..
يا من شربت من الفرات كرامة
ورفعت مجـــــــــدا للثقافة يولد
يا كل اهلي والعــــــــــراق يلمنا
في كل عين نجمـــــــكم هو فرقد
هذي ثراك وكـــــل ارض ارضك
قبل ثراها للرجـــــــــــولة تسجد
واعطف على ارث يضوع يراعه
يا كل ارث صار فينا شـــــــــاهد
جسد يلملم للــــــــــــوداع رفاته
وثضاء ربك للنــــــفوس مغامد /ص40ـ ص41
فالنص يشير الى زخم التكثيف الاسلوبي المعبر عن الحالة النفسية المأزومة نتيجة الفقد،مع تعدد ظلال الرؤية التي تقوم على الرمز والالفاظ المجازية المستمدة من اليومي(الواقعي) المتداخل والواقع ليشكل نسيج النص المؤطر بوحدة موضوعية(الرثاء) تندرج على بياضات السجل الوجداني..
وبذلك قدم المنتج(الشاعر) نصوصا تميزت بعمق التجربة الانسانية المستنطقة للفظ الموحي والمستحضرة لجوهرها الدلالي، اضافة الى تفردها بجمالية الصورة الشعرية المولدة للدهشة والتساؤل.