هيثم جبار
أما مقالة الكاتب البيروفي مايو بارغاس يوسا المعنونة “كيف تغلبت على خوفي من الطيران”، والحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 2010، مقالته حقيقة مضحكة ومثيرة للسخرية وللشفقة في آن واحد، ولو كان قد كتبها واحد منا ومن أصدقائنا لضحك عليه الجماعةُ (جماعة البرج العاجي).
حين قرأتُ العنوان ظنته يقصد بالطيران هو الطيران في عالم الأدب، الطيران أو التحليق الى العالمية، أو ما شابه ذلك، لم أكن أتوقع أنه يقصد ركوب الطائرة، فالكثير من الناس مصابون بهذه الفوبيا، فوبيا ركوب الطائرة، ومنهم القاص الراحل محمود عبد الوهاب، لم يصعد طائرة في حياته. فأخذ يوسا يتحدث في مقالته عن خوفه وكيفية التغلب على الخوف، فواحد من أصدقائه نصحه بشرب الويسكي، وآخر نصحه بالاستماع الى الموسيقى، وآخر نصحه بالصلاة والدعاء، ….الخ. وفي النهاية قد عرف الطريقة التي يتخلص بها من الخوف وهي أن يقرأ كتاباً. وهنا أود أن أطرح سؤالا: ما هي العلاقة أو ما هو الترابط بين الخوف من الطيران وفن الكتاب؟ ربما هنا نقول سوء اختيار المترجم، فالمترجم لم يحصل على مقالة ليوسا يحدث فيها عن الكتابة، لذا اختار أية مقالة عشوائية. المهم ليوسا وحشرها حشراً بين طيات الكتاب.
ومن الجدير بالذكر، أني قرأت قبل مدة كتاباً يتكون من ثلاث مجاميع قصصية ( قصص قصيرة جداً ) . بعنوان أرض تتسع للجميع. المجموعة الأولى للكاتبة الأمريكية ليدیا دیفز، التي ولدت عام 1947عنوان مجموعتها المكونة من أكثر من 50 قصة قصيره جدا ( يدان على العقود ) ، والمجموعة الثانية بعنوان (وجه السمكة ) للشاعر والقاص الامريكي رو برت سكوتليريو، وهي أكثر من 25 قصة قصير جدا، لا تتجاوز كل قصة أكثر من نصف صفحة. والمجموعة الثالثة، ولها الحصة الأكبر من هذا الكتاب بعنوان ( 99 قصة عن الرب ) للكاتبة الاميريكية جوي ولیمز. قارب الكتاب على الـ200 قصة قصيرة جدا، ولا أكون مبالغا، والكتاب موجود في أغلب المكتبات، لم اك مبالغا إذا قلت لا توجد قصة واحدة جميلة، بل جميع قصصه رديئة، وبإمكان أي شخص اقتناء هذا الكتاب (أرض تتسع للجميع ) ويقرأه ويحكم، إذ لا توجد فيه قصة واحدة تشعر بأنها تنتمي للأدب ، بل كل قصصه كلام فارغ وتقارير صحافية مبتورة غير مكتملة، وإذا ما قارنا كتابات هذا الكتاب، وكتابه الأمريكان، بكتابات أصدقائنا من كتاب القصة القصيرة جداً ككتاب (صخرة عربيف) لحنون مجيد و (لم أكن نبيا ) لخلدون السراي أو أقصوصات عبد الأمير محسن ( الرائد في كتابة قصص بالغة القصر أو القصة القصيرة جدا في العراق ) بمجموعته القصصية ( قطيع أسود من السنوات) ستكون كتابات الكتاب الأمريكان في مهب الريح ، حيث لا تستطيع المقاومة مع كتابات المبدعين من العراقيين، هنا أيضا أشك بسوء الترجمة، إذ لا يوجد وجه للمقارنة بين الكتابة الإبداعية من جهة والهراءات الأمريكية من جهة أخرى ، ولكن المشكلة في أشقائنا العرب الذين يهتمون كثيرا ب(الخرط) الغربي ويتركون مبدعيهم ، وسأنشر لكم قصصا من الفريقين والقارئ يحكم.
ولكي أكون منصفا، سأنشر لكل قاص قصة واحدة عراقي كان أم أمريكي، قصة مقابل قصة، القصة الأولى للكاتبة الاميريكية ليديا ديفز تحت عنوان ( في حي الملابس ) من مجموعتها القصصية يدان على المقود في كتاب “أرض تتسع للجميع”.
القصة:
.. في حي الملابس
كان رجل ولسنين يعمل في نقل البضائع في حي الملابس: كان في كل صباح يدفع عربته المحملة بالملابس نفسها عبر الشوارع نحو محل بيع الملابس، ويعود بها في كل مساء إلى المستودع. كل هذا بسبب خلاف بين المتجر والمستودع: ينكر المتجر بأنه قام بالطلبية، وهي مصنوعة بشكل رديء، قماش رخيص وموديلها يعود لسنين قديمة؛ بينما يرفض المستودع تحمل المسؤولية لأنه لا يستطيع إرجاع الملابس لتجار الجملة كونها أضحت بلا فائدة لهم. كل هذا لا يعني شيئاً للرجل. إنها ليست ملابسه، أجر عمله مدفوع، وأنه يعتزم ترك الشركة قريباً رغم أن الوقت المناسب لهذا لم يحن بعد.
انتهت القصة الأمريكية، أما الآن نأتي الى القصة العراقية للقاص عبد الامير محسن رائد القصة القصيرة جدا في العراق من مجموعته القصصية( قطيع أسود من السنوات) والقصة بعنوان ” لقد فات الوقت”.
عبر واجهة المحل الزجاجية نظر إلى الدمى المصفوفة خلفها دمية القرد قارع الطبل. الدب الذي يتأود ماشياً على جنبيه كالإوزة، الأرنب الذي يقفز على نابض، الراقصة التي تدور حول محورها، القطار الذي يجري على سكة دائرية ويعمل بالبطارية، السناجب والكرسي الهزاز على هيأة حصان وغيرها من الألعاب… ولج إلى الداخل واشتراها كلها دافعاً أثمانها.. احتاطها بيده وحملها على صدره، محتضناً إياها. صحب امرأته إلى المقبرة، وهناك وضع حمله من الهدايا عند قبر صغيرهما: هاكها ، كلها لك.. خذها إلعب بها.. فلم يتسن لك اللعب بها حين كنت حياً.
على وجه الأرض!)) أما القصة القصيرة جدا الثانية للقاص والشاعر الأمريكي روبرت سكوتليريو تحمل عنوان (دوي صاخب)،
من مجموعته القصصية ( وجه السمكة ) الموجودة في كتاب ( أرض تتسع للجميع) القصة دوي صاخب الطائرة بثرة في السماء”، قال، مبحلقاً للأعلى. “عد إلى رشدك”، قالت. “الحديقة لن تزرع نفسها”. شتلتان في زاوية الجدار، عربة دفع مليئة بالنباتات المعمرة رفع المجرفة وحفر بها الأرض. يمتلك بعض الناس شخصيات طاغية يمكنها أن تبلبل لغة أخرى بالكامل، فكر، حد فقدان القدرة على الكلام.
ناولته بعض البصل. كم عميقاً علي أن أحفر؟
سألها
. أجابته من دون كلام. وعندما أدارت جسدها، رأى ظلها يملأ سطلاً فارغاً إلى حافته)) انتهت قصة القاص الأمريكي، والآن القصة للقاص العراقي حنون مجيد من مجموعته القصصية المعنونة (صخرة عربيف) (قصص قصيرة جدا) والقصة بعنوان ( سعي مماثل ) القصة
الآن بدأت أعي وبعد عمر طويل وكدح شاق أن كل ما قمت به كان من قبيل مقاومة اللقاء، بمن كنت أدعوه عدوي وإطالة المسافة غير السعيدة بينه وبيني. لا أدري إن كنت أخطو نحوه، بمقدار ما كان يخطو نحوي وأنني كلما كبوت، نهضت ومضيت أخطو إليه. الآن ها أنا أتقدم منه، بكامل يقيني به، وها هو يزحف نحوي، بكل حتميته، فيتبين لي أن مسعاي نحوه، يوازي مسعاه نحوي. الفارق بيننا؛ أنه يسعى إلي ويغني،وأنا أسعى إليه وأبكي
أما القصة الثالثة للكاتبة الأمريكية جوي وليامز من مجموعتها القصصية “99 قصة عن الرب” في كتاب أرض تتسع للجميع.
القصص الأولى بعنوان “فرق” والثانية بعنوان “جلسة عامة” والثالثة بعنوان “إن كان لا بد من هذا”. وهي قصص قصيرة جدا.
فرق:
ـــــ لم التقِ بأي شخص مجنون، قال. ولكنني التقيت بناس صاروا لاحقا من الأموات.
جلسة عامة:
ــــ عندما تجلس امرأة لتناول وجبتها وحيدة، يصل احبتها من الأموات لمشاركتها الطعام
ولكن في اللحظة الأخيرة الممكنة من صلاتها سيقومون بذلك.
إن كان لابد من ذلك..
ــــ في مناطق اخرى من البلد،
هدد أصحاب المحلات بالانتحار الجماعي، اعتراضا على انقطاع التيار الكهربائي لثماني عشرة الى عشرين ساعة يوميا.
..) انتهت قصص الكاتبة الأمريكية جوي وليمز، والآن نختار ثلاثة قصص للقاص العراقي خلدون السراي من مجموعته القصصية ( لم أكن نبيا ) قصص قصيرة جدا الأولى بعنوان تعايش، والثانية بعنوان رحمة، والثالثة بعنوان مفتاح.
.. تعایش
وقعتُ أسيرًا بيدهم، ثلاثة أعوام لم تغف لي عين خوفًا على أطفالي من أصوات الرصاص، عند عودتي وجدتهم يلعبون فوق مدفع قديم.
رحمة..
وجدت نفسي ملقى على الأرض، وجميع من حولي يرتفعون إلى السماء، ما إن رفعت جسدي كي ألحق بهم، وإذا بصوت طفل أيقضني، أرجوك أبي لا تمت.
مفتاح..
أمسك فأسه، وشرع في حفر القبر، لم يكن مصغيًا للنياح والعويل من حوله، وضع الجثة، وبدأ بقراءة الفاتحة على نية أن يُرزق بميت آخر.
هذه مقارنة بسيطة بين ثلاث مجاميع قصصية، أمريكية مجموعة بكتاب واحد، وبين ثلاث مجاميع قصصية عراقية بثلاثة كتب، والقارئ هو الفيصل.
حنون مجيد