د. ادريس الحمداني
من البديهي جدا أن تأريخ البلدان والأماكن يصنعه الرجال القاطنون فيها، وإن تأريخ هؤلاء الرجال يصنعه صبر أرواحهم وطموحهم ومواهبهم. وفي مقالنا هذا تجسيد شاخص لما نقول. كم ذقنا الويلات وكم هي الحروب التي شهدناها، لكن الأماكن المقدسة تاريخيا، بقيت تنجب الإبداع والتألق والصمود في كل ميادين الحياة خصوصا عندما تشتد الظلمات حيث تزداد المعادن النبيلة لمعانا وقت الأزمات. وما أصدق قول شاعر معاصر: حين يشتد الظلام تلمع سيوف العلم والمعرفة معلنة حربها الضروس ضد الجهل والتخلف..
تلك هي ثقة الرجال بمستقبل نذروا أنفسهم، من أجله وعصروا أرواحهم كؤوسا لأجيال ذاقت طعم الشراب …كيف لا، ونحن امام إيقونات واضحة، نشرت لغة الفكر والبلاغة والعمران، في مدنهم كصورة مصغرة لبلدهم ..كيف لا ونحن أمام نجوم ساطعة في سماء التواضع العلمي والمعرفي والعمراني…ومثلما للفن نجوم وللرياضة أيضا، نجد أن للإعمار، وللعلم وللمعرفة وللإنسانية نجوم أيضا، شقت طريقها بثبات فوصلت الى قمة العطاء…
وحين أكتب هذه الكلمات، يبرز أمامي من يستحقها دون منافس، مثلما تبرز كلمة التنمية من الفعل نما، وتبرز كلمة الصدارة من الفعل تصدر، يبرز في محطة الاعمار رجل اخذ على عاتقه إكمال بناء ١٠٠٠ مدرسة نموذجية في العراق، حيث تم افتتاح ٧٩٠ منها ضمن دائرة تلفزيونية واحدة، إذ كانت مبادرة كبيرة غطتها كل وسائل الاعلام، كونها تمثل انجازا حكوميا كبيرا، وبحضور دولة رئيس الوزراء، حيث أشرف على هذا الانجاز ميدانيا الدكتور حميد الغزي، الأمين العام لمجلس الوزراء، الذي يشهد له عمله قبل كلامي .. يعمل بهدوء وفق قاعدة أن الانجاز فعل وليس كلاما، بل هو فعل يتجسد على أرض الواقع، ولسان الحال يقول: بدلا من أن نلعن الظلام، علينا اشعال الشموع. فما أجمل تلك الشموع التي أوقدت، ولن تنطفئ، لأن المدارس التي افتتحت ضمن هذه المبادرة ستبقى تنير الطريق للأجيال، نحو تحقيق مستقبل مشرق لخدمة البلد، بشكل ينسجم مع طموح من سعى لتحقيق هذا العمل الانساني النبيل ..تحية لكل إنجاز يتحقق هدفه خدمة العراق العظيم.