جريمة التعذيب في قانون العقوبات

سلام مكي

لقد أكد الدستور العراقي الدائم على كرامة الانسان، وحريته، إذ أفرد البابين الأول والثاني لتكريس حقوقه المدنية والسياسية والاجتماعية، ولعل الحق في أن يعامل معاملة عادلة بالإجراءات القضائية من أهم تلك الحقوق، نظرا لما قد يتعرض له أي مواطن، من إخبار أو دعوى كيدية، أو قضاء وقدر، فكان الدستور كما قلنا قد أكد على أهمية أن ينال المواطن العراقي العدالة الكاملة عند خضوعه للقانون، وذلك لضمان عدم تعرضه للظلم، ان هضم حقه الدستوري في المعاملة العادلة. ونجد أن المادة 37 ج قد اكدت على تحريم وتجريم التعذيب النفسي والجسدي ضد المتهم في مرحلة التحقيق وكافة مراحل الدعوى، وذلك لضمان عدم انتزاع اعترافات بالإكراه، حين نصت: يحرم جميع انواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الانسانية، ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي اصابه، وفقاً للقانون. وقبل الدستور، نجد أن قانون العقوبات العراقي، قد نص في المادة 333: يعاقب بالسجن أو الحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو أمر بتعذيب متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو للإدلاء بأقوال أو معلومات بشأنها أو لكتمان أمر من الأمور أو لإعطاء رأي معين بشأنها. ويكون بحكم التعذيب استعمال القوة والتهديد.

نجد من النص الدستوري والقانوني، أن المشرع العراقي، جرّم تعذيب المتهمين أو الشهود أو الخبراء، ووضع العقوبات الصارمة لمن يقوم بفعل التعذيب مهما كان منصبه، والسبب في ذلك يعود الى أن التعذيب الذي يعني ببساطة انتزاع الاعترافات بالقوة والاكراه من المتهمين عبر تعريضهم للأذى الجسدي أو النفسي، وإجبارهم على قول ما لا يريدون قوله، كما إن التعذيب يتنافى مع حقوق الانسان، ويتنافى مع مقتضيات العدالة، التي تشترط أن تتم إجراءات التحقيق بشكل قانوني سليم، دون ضغوط أو سعي من قبل طرف معين على توجيه الأدلة نحو غاية ما، قد تخالف الوقائع المعروضة، مما يسبب الظلم في أحيان كثيرة للمتهمين الذين يجبرون على الاعتراف بأفعال لم يرتكبوها، أو يتم إجبار شهود على الادلاء بشهادات غير صحيحة للإيقاع بمتهم آخر، عبر ضغط وتهديد. ولعل الأمثلة كثيرة، خصوصا تلك التي عرضت في وسائل إعلام وفضائيات من اعترافات لمتهمين أمام شاشة التلفزيون، يشرح فيها المتهم أو المجرم، كيف قام بقتل المجنى عليه، وكيف قام بدفنه، ثم تبين فيما بعد أن الضحية المزعومة، لازالت على قيد الحياة! مما دعا القضاء الى محاسبة الشخص الذي قام بالتعذيب، وتبرئة المتهم من التهمة المنسوبة إليه. إن التعذيب سلوك مرفوض ومدان، ولا يحق لأي جهة أن ترغم متهما على الإدلاء بأقوال لا يريد قولها، حتى لو كانت صحيحة، وإن تجريم القانون لها، ووضعه لعدة ضمانات تحميه من التعذيب، تدل على أن المشرع، يعي مدى خطورة هذا الفعل، وتأثيره المباشر على مجريات التحقيق والعدالة. وما نلاحظه داخل المحاكم، أن المتهم حين يقف أمام القاضي، يتواجد المدعي العام والمحامي، ويتم سؤاله عن أقواله فيما لو كانت بالاعتراف، وسؤاله فيما لو تم إجباره على الاعتراف، وهذه تعد من أهم ضمانات التقاضي، ولابد منها. ولو عدنا الى النص الدستوري، سنجد أنه لم يعط قيمة للاعتراف الذي يثبت أنه حصل بالإكراه والتعذيب، كذلك القانون والقرارات التمييزية، كلها اشترطت أن يكون الاعتراف صادرا من إرادة حرة، وليس عن طريق الاكراه.

 

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة