القوافي بين الاجحاف والانصاف

-1-
هناك قوافٍ ساخنة تصبُ جام غضبها على الناس ، وتنطلق من إدانتهم سلفا وإصدار أقسى الأحكام عليهم ..!!
ومثل هذه الآراء المغموسة بسوء الظن لا تمثّل الاّ أصحابها الذين قد يكونون أصحاب تجارب فاشلة مريرة دَعَتْهُم الى ركوب موجة التشكيك العارم .
-2-
ومن اولئك الشعراء (يحيى بن الحكم الأندلسي ) حيث قال :
ما أرى هاهنا مِنَ الناسِ الاّ
ثعلباً يطلبُ الدجاجَ وذِيبَا
أو شبيهاً بالقطِّ ألقى بعينيْهِ
الى فأرةٍ يُريد الوثوبا
فالناس عنده :
ثعلب يطارد الدجاج، ويماثله الذنب التوّاق الى الافتراس، ويُلحق بهما القط المتوثب لمطاردة الفأرة ..!!
والسؤال الآن :
هل خلت الساحة – وبشكل مطلق – من أصحاب القلوب الطاهرة والأعمال الزاهرة ؟
ولماذا هذا الاحجاف الشديد البعيد عن الانصاف ؟
ألا ينطبق على هذا الاندلسي الناقم المأزوم قول الشاعر :
يا ناطحاً جبلاً يوما لِيُوهِنَهُ
أَشْفِقْ على الرأسِ لا تُشفق على الجبلِ
-3 –
ويعزف شاعر آخر نظير هذا اللحن الاندلسي البائس فيقول :
لا أشتكي زمني هذا فأظلُمُه
وانّما أشتكي مِنْ أهلِ ذا الزَمنِ
همُ الذئابُ التي تحتَ الثيابِ فلا
تَكُنْ الى أحدٍ منهم بمؤتمِنِ
قد كان لي كنزُ صَبْرٍ فافتقرتُ الى
إنفاقِهِ في مداراتي لهم فَفَنِي
انّ المدرسة التي ينتمي اليها هذا الشاعر هي نفس المدرسة التي انتمى لها الشاعر الاندلسي السابق، وضاق بالناس ذرعا دون تمييز بين الأبرار والأشرار، الذين لا يخلو منهم عَصْر ولا مِصر .
-4-
وأين هذا من قول أبي الفتح البستي القائل :
أَحْسِنْ الى الناس تستعبدْ قلوبَهُم
فلطالما استعبد الانسانَ إحسانُ
مَنْ سالمَ الناسَ يسلمْ مِنْ غوائِلهم
وعاش وهو قريرُ العينِ جَذلانُ
ولقد أشار البستي بوضوح الى أنّ الناس يتعاملون معك وفقا للطريقة التي تتعامل بها معهم ، ومتى كنت مبادراً للاحسان فانهم يبادلونك باحسانهم .
هذا هو الأصل وقد يشذ عنه بعض الحمقى وذوي النفوس المريضة ..
-5-
وأين هو من قول الآخر :
يا طالبَ العيش في أمنٍ وفي دَعَةٍ
مَحْضاً بلا كَدَرٍ صفواً بلا رَنَقِ
خَلِصْ فؤادَك مِنْ غِلّ ومن حَسَدٍ
فالغِلَّ في القلبِ مثلُ الغلِّ في العُنِقِ
الرنَقَ : الكدر
غلّ القلب : الحقد
غلّ العنق : القيد
وهكذا ينتهي بنا المطاف الى أنّ إصدار الاحكام القاسية على الناس جميعا ، دون تفريق بين الأشرار والاخيار ، ما هو الا مسلك محموم، يكشف عن خلفيات مشوبة بكثير من الشوائب والعقد النفسية، ولابُدَّ أنْ تحصد الشر من صدر غيرك بانه تحصده من صدرك
وهنا تكمن العظة .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة