الصباح الجديد ـ متابعة:
أعلن تنظيم “داعش- ولاية خراسان” مسؤوليته عن سلسلة من الهجمات التي استهدفت مقاتلي طالبان في شرق أفغانستان مؤخرا، ما أثار شبح حدوث صراع أوسع بين حكام طالبان الجدد في البلاد وخصومهم منذ فترة طويلة.
واستهدفت قنابل مزروعة على جوانب طرق سيارات تابعة لحركة طالبان في مدينة جلال أباد، شرق البلاد، في مطلع الأسبوع، ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص، من بينهم مقاتلو طالبان. وسُمع يوم الإثنين، ثلاثة انفجارات أخرى في المدينة، عاصمة ولاية ننغرهار، أبرز معاقل مقاتلي “داعش”، مع تقارير غير مؤكدة عن سقوط المزيد من الضحايا من طالبان.
وجاء في بيانين منفصلين للتنظيم، نشرا الأحد الماضي، أن “جنود الخلافة” فجروا أربع عبوات ناسفة استهدفت آليات تابعة لحركة طالبان “المرتدة” في جلال أباد.
وكانت الصحافة المحلية في أفغانستان نقلت عن شهود أن العديد من مقاتلي طالبان نقلوا إلى المستشفى بعد انفجار، الأحد الماضي، الذي وقع، بحسب صحفي، قرب تقاطع طرق يقود إلى العاصمة كابل.
وتعتبر هذه الاعتداءات الأولى منذ انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في 30 أغسطس الماضي. وكان تنظيم “داعش -ولاية خراسان” أعلن مسؤوليته عن هجوم وقع في مطار كابل، في 26 أغسطس، وأسفر عن مصرع أكثر من 100 شخص، بينهم 13 عسكريا أميركيا.
وعادت حركة طالبان إلى السلطة منتصف أغسطس بعد انسحاب القوات الأميركية وانهيار الحكومة، وتعهدت بإرساء السلام والأمن، معتبرة أن نهاية الوجود العسكري الغربي ستجعل من الممكن إنهاء العنف الذي تشهده البلاد منذ عقود.
وتتعرض الحركة لضغوط لاحتواء مقاتلي “داعش”، جزئيا للوفاء بوعد للمجتمع الدولي بأنهم سيمنعون شن هجمات إرهابية من الأراضي الأفغانية، ولأن عددا كبيرا من الأفغان يأملون أن يتمكن الحكام الجدد من تحقيق مستوى معين من السلامة العامة.
وتأتي التفجيرات فيما تواجه الحركة مهمة شاقة تتمثل في حكم بلد مزقته أربعة عقود من الحرب، وسط ترد مريع للاقتصاد، ونظام صحي على وشك الانهيار، وفرار الآلاف من أفراد النخبة المتعلمة. وتتنبأ منظمات الإغاثة الدولية بتفاقم الجفاف والجوع والفقر.
وفي حديث لأسوشيتد برس، قال فدا محمد، شقيق سائق يبلغ من العمر 18 عاما قتل في أحد انفجارات، الأحد الماضي ، مع ابن عم يبلغ من العمر 10 أعوام: “اعتقدنا أنه منذ مجيء طالبان سيحل السلام. لا سلام ولا أمن… لا يمكنك سماع أي شيء سوى أنباء انفجارات قتل هذا أو ذاك”.
وقال عبد الله، صاحب متجر في جلال آباد، غداة إعلان “داعش” مسؤوليته عن التفجيرات التي هزت المدينة قبل يومين: “لقد بلغ بؤسنا ذروته”. وأضاف: “الناس ليس لديهم وظائف. الناس يبيعون سجادهم لشراء الدقيق … لا تزال هناك انفجارات”.
وكانت تفجيرات نهاية الأسبوع بمثابة تذكير بالتهديد الذي يشكله المسلحون المتشددون، وعززت هذه التفجيرات وتلك التي وقعت في كابل في 26 أغسطس المخاوف من حدوث مزيد من العنف، حيث يستغل مقاتلو “داعش” ضعف حكومة طالبان المنهكة التي تواجه تحديات أمنية هائلة وانهيارا اقتصاديا.
وقال إبراهيم بهيس، مستشار مجموعة الأزمات الدولية ومحلل أبحاث مستقل عن تنظيم “داعش”: “إنهم يحققون عودة دراماتيكية للغاية… يمكن أن يكون هناك صراع طويل الأمد بين الجماعات”.
ويرى أن الفرع الأفغاني لتنظيم “داعش” ابتعد في الوقت الحالي عن شن الهجمات ضد الغرب وحافظ على التركيز المحلي، لكن هذا قد يتغير.
وتختلف أهداف “داعش” في أفغانستان عن أهداف طالبان، التي سيطرت على البلاد قبل أيام من انسحاب القوات الأميركية الشهر الماضي، فبينما حاربت الحركة لتحقيق مكاسب في أفغانستان، يسعى فرع التنظيم إلى دمج مساحات شاسعة من البلاد في خلافة أوسع أو إمبراطورية إسلامية عبر الشرق الأوسط.
واحتضن هذا الفرع، الذي يتكون إلى حد كبير من مسلحين باكستانيين تم دفعهم عبر الحدود من خلال العمليات العسكرية، أولا دعوة “داعش” للقتال العالمي ضد غير المسلمين، في الأشهر التي أعقبت اجتياح التنظيم لمناطق في سوريا والعراق في صيف عام 2014.
وفي حين أنهما يتشاركان العداء للقوات الأميركية والتفسير المتشدد للإسلام، فإن طالبان و”داعش” عدوان لدودان، وكما قاتلت طالبان قوات التحالف الأميركية في الحرب الأفغانية الطويلة، شنت أيضا هجوما ناجحا لطرد مقاتلي “داعش” من معاقلهم في شمال وشرق البلاد، أحيانا بمساعدة الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية المدعومة منها.
وعلى الرغم من سنوات من الضربات الجوية الأميركية والنكسات العسكرية الأخرى التي قلصت حجم تنظيم “داعش”، أفادت الأمم المتحدة هذا العام بأن الجماعة “لا تزال نشطة وخطيرة”، وتشكل تهديدا لأفغانستان والمنطقة.
وشنت الجماعة بعض أكثر الهجمات وحشية في البلاد في السنوات الأخيرة على المدارس والمساجد وحتى مستشفى للولادة، واستهدفت بشكل أساسي الأقلية الشيعية.
واستقطبت على نحو متزايد منشقين متشددين عن طالبان ومقاتلين أجانب يرون أن طالبان معتدلة أكثر من اللازم.
وقال مركز صوفان، ومقره نيويورك، في تحليل امس الاول الاثنين، إن فرع “داعش” يشكل “أحد أخطر مخاطر حدوث انقسام لطالبان في المستقبل”.
وتقول أسوشيتد برس إنه مع اشتداد الصراع على السلطة بين البراغماتيين والأيديولوجيين في قيادة طالبان، يكثف “داعش” من عملية تجنيد مقاتلين.
وفي الوقت الحالي، يفوق عدد قوات طالبان عدد مقاتلي التنظيم بكثير، ويشك الخبراء في أن التنظيم يشكل تهديدا وجوديا لحكام أفغانستان الجدد، لكن فرانز مارتي، الزميل في المعهد السويسري للشؤون العالمية المقيم في كابل، قال لأسوشيتد برس إنه إذا استمرت التفجيرات “فقد تصبح مشكلة كبيرة”.
وأضاف: “إنها تؤثر على تصورات الناس. إذا لم تتمكن طالبان من الوفاء بوعدها بشأن تأمين البلاد، فقد يؤدي ذلك إلى قلب مشاعر الناس ضدها في الشرق”.
وعلى الرغم من مخاوف السكان في جلال أباد، كان هناك تحسن ملحوظ في السلامة العامة في أماكن أخرى، بما في ذلك العاصمة كابل، وقبل سيطرة طالبان، كانت كابل تعاني من زيادة حادة في الجريمة، وكان العديد من السكان يخشون مغادرة منازلهم بعد حلول الظلام.
لكن في جلال آباد، وصف والد الطفل البالغ من العمر 10 سنوات الذي قُتل في انفجار، الأحد، الهجمات الأخيرة بأنها “نذير شؤم”.
وقال ظريف خان للوكالة: “نحن نعيش في فقر وليس لدينا أمن أيضا… اليوم فقد ابني حياته وغدا يفقد أبناء آخرون حياتهم”.