فلاديمير هولان: من أين يأتي هذا الطريق؟

محمد رضا

فلاديمير هولان (1905 – 1980) شاعر تشيكيّ، ولد في براغ وتلقى علومه الأولى فيها ثم غادرها إلى فرنسا ليتوّج مسيرته العلميّة. انخرط في النّضال الثوريّ المناهض للنازيّة في شبابه، التحق بالحزب الشيوعي في العام 1946 وسرعان ما تمّ استبعاده منه بعد أربع سنوات. أغلق على نفسه، واختار عزلة طوعيّة، تليق بمغامراته وخيبات أمله، عززتها مراقبة السلطات آنذاك ومنعه من النّشر، ليعتكف فيها طويلًا، متواريًا عن الأنظار حتى الستينيات إلى أن أمسى “شاعر الظلمة والتهلكة” على حدّ تعبيره.

توفت ابنته كاترينا في العام 1977، ولم يلبث أن أصيب بجلطة دماغية، شلّته جزئيا وتركته غير قادرٍ على الكتابة كليًا، إلى أن وافته المنيّة بعدها بثلاث سنوات، أي في العام 1980.

ترجمت أعماله إلى لغات كثيرة، على الرّغم من منفاه، وكانت الفرنسية أولى اللغات التي احتضنته تحت جناحها في ترجمة قدّم لها آراغون، معرفًا الشاعر إلى الجمهور الفرنسي على أنه “الرّجل المحاط بسمعة الظلّ، وعيناه تعكسان البرق بشكل طبيعيّ”.

أشهر مؤلفاته: ليلة مع هاملت، هاوية الهاوية، ألم.


ألم

ليس لديكَ أية فكرةٍ من أين يأتي هذا الطريق

الذي لن يقودك إلى أيّ مكان

لكن ما يهمّك

أنه كان طافحًا بالسحر، بالنساء، بالمعجزات

بالرغبات والحريّة

رأيت، مثل رجلٍ كان يمكن أن ينفقَ تحت ملاك

الملاكَ الذي هرب على أقدامه

شاقًا طريقَ نسيان الذات

ولم تلتفت إلّا لاحقًا

لألم الرجل

وألم اللّه نفسه، الذي يرنو إلى السعادة

اللّه

هذا العاشق التعِس

*

نافقةٌ هي اللّغة، الموسيقى، الأغنيات، الضحك والصمت، أمام زئير العالم

*

ماذا كانَت حياتك؟

تولّيت عن المعلوم إلى ما لا يُدرك.

وقدرُك؟

لم يبتسم من أجلك سوى مرّة واحدة وحسب

ولم تكُن حاضرًا.

*

حتّى لو لم يوجد اللّه

من “ليلة مع هاملت”

حتى لو لم يوجد اللّه، والروح هي أيضًا

حتى لو وجدت الروح وكانت هالكة

حتى لو لم يكن ثمة بعث

حتى لو لم يتبقَ شيء بعده،

لا شيء

الدور الذي كان يمكن أن نتخذّه في كوميديا مماثلة

إذًا

لم يكن ليعدو كونه شفقة، شفقة على هذه الحياة،

التي ليست سوى شهقة وعطش وجوع

وتزواج ومرض وتأوّهات

ذات يوم وبينما كنت أشق طريقي بين ورود الخلنج

سمعت سؤال طفل ما: لماذا؟

ولم أركن إلى إجابته، ولم أستطع حتى اليوم وبعد سنوات مديدة أن أجيبه

أن القمر في منتصفه

لأنه للطفل دومًا ما تكون الإجابة ناقصة عن التعبير

بالدرجة عينها، للسؤال بالنسبة إلى الرجل.

حين تعود طفولتي لتتمظهر وتمسكني من يدي بلطف

أشرع في الغناء

وحين أفكر في إكليل شوكِ المسيح

يطرقني الذعر

وحين تحط نظراتي على شجر العلّيق

وأرى إلى عشّ الطائر فيها

أتسمّر هناك، لأنصت

لكني مذ عرفتُ بني البشر

وأنا أنتحب

*

الطّفل

طفلٌ، أذنه مضغوطة إلى ناحية سكة الحديد

ينصت لقدوم القطار

ضائعًا في الموسيقى الطاغية

لا يهمّه إلاّ قليلًا

بحقّ

ما إذا كانَ القطار مصافحًا أو مودعًا

لكن أنت

انتظرت دومًا شخصًا ما

نطقت دومًا بكلمة وداعٍ لأحدهم

حتّى عثرت على نفسك

وأبدًا

لم تكن حالًّا في أي مكان.

*عن ألترا صوت

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة