غياب في آية الحضور

علي لفتة سعيد

وما غبتُ
لم يزل السؤال من فرط دهشته
يلوي عنق الصباح ليسقي وسادة الليل الطاهرة بما أوتي من قوّة الحلم
حتى إذا صاح مدد.. تأتي إليه الحكايا مثل أولادٍ يا فعين
يا أبتِ
لم أعد أخشى الحضور
لا أعدّد من يزورني
فكل أبوابي مشرعة للبياض
وكلّ مقبضٍ يتلو موسيقاه عشقًا
يصعد سماواتٍ سبعًا.. يجمع العسل رضابَ أحلامٍ لم تسقط من فم النساء في حضرة زليخة
ولم يقطعن أزرار المساء نكايةً بالصبر
ولا يقدن قميصًا من حبل الوريد استعدادًا لتدوينٍ جديدٍ يبحث من أين قدّ كي تكتمل الفصول
سأقول/ الحروف روح في داخلي كلمات أنتظرُ صوتَك لنغنّي.. نرمي جوانب الدروب بما يفضي الى الحياة.. ولا تقترب الخيانة من مهج الحروف.

إن الغيابَ حضور.. حين يكوّره السؤال وحين يناجي ربّه/ أنك الحاضر الدائم.. فامنحني صفة الإجابة لأخرج من ردن العافية ودنان الحمد
حينها
لا أردّد/ أني سقيت الملحمةً كؤوس سيدوري
وما تركت خمبابا سكرانًا كي يبتعد عن الغابات
وما قلت لأنكيدو/ إياك وحبل المسد.. أجمع خفايا الوداد واترك القلق يسقط من تلقاء اصفراره

أنا شيخ الصبر.. منغمس بالصدق
مدلهم بصوفيتي.. غارق بعرفاني.. مهووس بطرق أبواب الهيام
أمسك المعاني من حبل الوريد
ولا قايضَ ما ترتجف به الشفاء بحدسٍ يخاف غيابه..
ولا يعتصر قلب الضمير ولا يوارى خيبته ثرى المكوث

أنا حفنة قمحٍ لم تمر عليها سبعٌ عجاف
والمسد حبل خيالٍ بلا هوامش.. والتفاصيل جمعتها بقبضة الوضوء
والعشق بخور.. والحروف نذور.. والمرايا تدور.. والمنايا نيران تنورٍ مسجور
والرحى صوت طعامي
قل لها/ ما لمعَ من القلب لم يكن بفطنةٍ تائهة أو قبضةٍ هائمة
ولم تكن قامتي مرفأ سفنٍ بلا ضوء
لا أخاف الغرق ولا أحتاج الى تعلّم السباحة
يكفيني ذراعين ولهفتين وحلمٌ واحدٌ في الحضور

يا ساكبة العطور
والشاي المهيّل من جمر الدروب المسندة
على سماحة الوجوه ولهفة العطشان
ورؤية يتيمٍ وعون معاقٍ حين تمسكه القصيدة

لم أغب كي أعود الى المرايا
لم أكن مسجونًا لأحرّر نفسي من البقاء
كل تميمةٍ لا تهزّها العواصف
ولا تخاف من غصنٍ يسقط من علو
فالعصافير تطير
وحنجرتي تعلّمت الإصغاء لصوت الرعد
فابحثي عن قلبك في مكاني والعكس صحيح..
عن إعرابي في جملٍ مفيدة..عن إعرابيٍّ يحمل وسائده دوما.. وإن غيّبت العواصف خيمته
فصهيل خيوله توزّع الشموع وترتّب الحفلة كلما جمحت الخيول

أنا رجلٌ ما فاض منه العشق
كي يموت غارقًا
ولا اكتملت عنده جدران النقصان كي يترك البناء

أنا بنّاء
أحمل مصابيحي.. أوزّع الظلال على أرصفةٍ لتستريح الرِكاب من محنتها.. ترتّب الأواني لعنتها ولعبتها.. تلوّح للمناديل/ تعال أيها الرجل لنكتمل في الغياب
تقول للأعراسِ/ خذي الفوانيس معك.. فالجميلات ينتظرن على باب المدينة
كي يتحدّث الضوء في وجه امرأةٍ.. لعلّها تهب الريح جواز مرورها

لست يوسفَ كي يوحى إليّ بالقصيدة خيالًا
وكلما دخلت عليّ محرابي وجدت الأكفّ سكاكينها
لذا
أخاف الغوص في الغزل.. فيضيع المعنى
أخف الصلاة قبل القصيدة فأغيب عن العشق
أخاف العشق فيتلعثم اللسان

لست بنادلٍ كي أسقي جروحي ما خمّرَ من ألفِ عامٍ
حتى لا أكشف سرّي
حينها أنفخ على ما اشتعل من الرؤوس فتنطفئ الجذوة
ولا نادل يصيح/ هل من مزيد؟
فالعشق أوار.. والحب دوار والمكوث أسوار
ولا تنفع الشمس إذا ما تصادم الليل
ولا يدور القمر إذا ما غافل مكوثه في السطوع ولا تدور الشوارع إذا ما هربت الاتجاهات

سأحمل معي كل المصابيح
أقول لك/ تلك الفتائل لا تشتعل إلّا بزيتٍ مقطّرٍ من الشوق
ولا شرارة تقدح إلّا من لهفة الحضور
ولا تكلّمها إلّا زغاريد الكلمات تراقص الجمر إن تحرّك من كتف الجبل
ويضحك الوادي إذا ما سقط عليه الوجع فلا نتنازع عمّا خبّأنا في دنان الروح
ولا جواريب الزمن ولا على حافة الظلال

جسدي دواة.. ور أسي فكرةٌ تشرب القهوة كلّما اتّكأ المغنّون على كتف المساء
وكلّما احتضن الغريب غيابه.. وكلّما انتزع الجمّار لون رحيقه

سأطفق بالقول/ أيها الألم
ليس لك خلاصة
لك ذات الجنوب وذات الشمال
لك الشموس ولفهة الحراس
لك رحلة الطوير وشكل الفزّاعات
لك صوت السيوف وصوت الرصاص
لك صوت المكبّرات وصوت أجراس الأعياد
أيها لحلم/ تعال/ امتثل لإشارة ذراعيَّ
كي نغنّي أو حتى نبكي
شرط
ألّا
نرحلَ
إلّا
للحب

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة