-1-
جرت العادة ان تُقدّم التهاني لمن يتوّلى المناصب الرفيعة مصحوبة بالدعوات له بالمزيد من علو
الشان والرتبة .
-2-
غير ان المناصب جميعا لا تدوم لأصحابها وكما قال الشاعر :
وأعزُّ ما يبقى ودادٌ دائِمٌ
إنّ المناصبَ لا تدومُ طويلا
-3-
واذا كان تولي المنصب الرفيع يستوجب التهنئة ، فان العزل والإقالة من المنصب يُثيرُ شماتة الاعداء وأسف الأصدقاء وتوجعهم ..
ومن هنا :
نَقَلَ التاريخ عن بعض الاذكياء امتناعهم عن قبول اي منصب معللا ذلك
بقوله :
( أخشى ذَلَّ العَزْل )
-4-
ولأهمية العلم والمكانة العليا التي يحتلها العلماء قال الشاعر :
وانما العلمُ لأربابِهِ
ولايةٌ ليس لها عَزْلُ
انّ الموقع الذي يحتله العالم من وجدان الناس ليس مرتبطاً بالكرسي والمناصب، وانما هو مرتبط بالمكارم والمناقب والخدمات الجليلة التي يُؤديها العلماء للدين والأمة .
-5-
وقد عثرتُ على بيتين يهني فيهما قائلهما ( وهو أبراهيم بن عيسى الكاتب) ابراهيمَ بن المدبر – الذي استوزره المعتمد العباسي ، والذي كان معدوداً من الكتّاب المرموقين في عصره ، كما انه تولى العديد من الويلات وقد توفى سنة 279 هـ –
حيث قال :
لِتُهنِ أبا اسحاق أسبابُ نعمة
مجددة بالعزل والعزلُ أنبلُ
شهدتُ لقد منّوا عليك وأحسنوا
لأنّكَ يومَ العزل أعلى وأفضلُ
والسؤال الآن :
كيف تصح التهنئة بالعزل مع أنَّ العزل بمثابة العقوبة ؟
والجواب :
انّ الشاعر هنا يريد الاشارة الى أنّ ابراهيم بن المدبر كان يمتلك من المواهب والكفاءة ما يجعله جديراً بتبوء المكانة الرفيعة … فهو الذي يشرّف المنصب وليس المنصب الذي يشرّفُهُ .
-6-
والملاحظ :
ان هناك مَنْ يتسنم الرفيع من المناصب من دون أنْ يكون مؤهلاً له ومن هنا فهو شديد الاعتزاز بالمنصب، وعزلُه منه يُشكّل له كارثةً كبرى ..!!
أما الخبراء والعلماء وذوو المواهب والكفاءة فانهم يزينون المناصب ولا يتزينون بها ، لأنهم أكبر منها .
-7-
والعراق الجديد – للاسف الشديد – وطبقا لسياسة المحاصصات أُتْخِمت أجهزته ودوائِرةُ الرسمية بعناصر لا تَمّتُ الى المهنية والكفاءة بنسب ولا سبب … وهذا أحد الاسباب المهمة في الفشل والتخلف عن أداء الخدمات المطلوبة للمواطنين على الوجه الصحيح، فضلاً عن اغراق البلاد بألوان من الفساد …
-8-
انّ تعطيل الموازين الموضوعية لن يقود الاّ الى المزيد من الفشل والتخلف …
بينما التمسك بأهداب الكفاءة والمهنية والوطنية والنزاهة …
يقود الى إحراز نجاحات ملحوظة في شتى الميادين وليس في الميدان الاداري وحده .
حسين الصدر