هاني حبيب
بإعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بن سودة، أنها بصدد فتح تحقيق شامل في جرائم حرب «محتملة» في الأراضي الفلسطينية، تكون المحكمة قد توصلت في نهاية الأمر بعد المداولات الشفهية والمطالعة الدقيقة للملفات التي تسلمتها من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية، الى انه قد توفرت لديها – المحكمة – الأسباب والمبررات الكافية والمقنعة لفتح تحقيق جنائي، ميداني هذه المرة، ومستقل وموضوعي حول كافة المعلومات التي باتت تتوفر لديها، كما ان هذا الإعلان، ينهي ما تسرب من خلافات حول مدى أهلية وولاية المحكمة لممارسة اختصاصها على كل من الضفة الغربية بما يشمل القدس الشرقية وقطاع غزة، وهنا في سياق هذه الصياغة، فإن المحكمة تعتبر القدس المحتلة جزءاً لا يتجزأ من الضفة الغربية المحتلة، وكأنها ترد بشكل مباشر على جملة القرارات الأميركية حول مدينة القدس والقرار الأخير حول شرعية الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة.
ويأتي هذا الإعلان استجابة، حتى لو كانت متأخرة، للطلب الفلسطيني المقدم للمحكمة منذ خمس سنوات لإطلاق تحقيق رسمي في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل من خلال كبار قياداتها السياسية والأمنية، وذلك في سياق ثلاثة ملفات أساسية: الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة والعدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، وقضية آلاف الأسرى في السجون الإسرائيلية.
إن ما مهد الى هذا الإعلان من قبل المحكمة الجنائية، تقريرها الذي تم نشره قبل أسبوعين من الإعلان المذكور، والذي اشارت فيه الى ان التحقيقات التي استمرت ما يقرب من خمس سنوات، ساعدت على تحقيق فهم وتقييم الوضع، الأمر الذي أدى الى ان المدعية العامة باتت تعتقد أنه حان الوقت لاتخاذ الخطوات اللازمة والضرورية لتصل التحقيقات الأولية الى نهايتها.
ما جاء في الإعلان، عن أهلية وولاية المحكمة في العمل على اختصاصاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، يعتبر تفنيداً للادعاء الإسرائيلي، حسب المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية افيحاي مندلبليت، عندما ادعى ان الضفة الغربية وقطاع غزة ليسا ضمن صلاحية المحكمة، ذلك ان دولاً ذات سيادة بإمكانها منح المحكمة صلاحيات محاكمة جنائية، والسلطة الفلسطينية، حسب مندلبليت، لا تستوفي بشكل بارز، الشروط لوجود دولة وفقاً للقانون الدولي ومعاهدة روما، الا ان هذه المعاهدة الأخيرة، وخلافاً لمزاعم مندلبليت، ووفقاً لميثاق روما الذي انضمت فلسطين الى المحكمة الجنائية الدولية عبره، يمنح المحكمة كامل الصلاحية القانونية لملاحقة جرائم الحرب المرتكبة من قبل الاحتلال الإسرائيلي فوق كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو الأمر الذي ركز عليه الإعلان الصادر عن الجنائية الدولية بصدد الولاية والأهلية والاختصاص، بما يفند المزاعم الإسرائيلية بهذا الشأن، وهي ذات المزاعم التي أشار إليها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وهو يعلق على إعلان المحكمة، عندما أشار الى ان الفلسطينيين ليسوا مؤهلين كدولة ذات سيادة، ولهذا لا يحصلون على عضوية او المشاركة كدولة في المنظمات أو الكيانات او المؤتمرات الدولية، بما فيها الجنائية الدولية، وهي إشارة تدل على الجهل والغباء في آن، إذ ان فلسطين انضمت فعلاً إلى معظم المنظمات والكيانات والمؤتمرات الدولية، ولم تنتظر فتوى بومبيو ومزاعمه!!
- عن صحيفة الأيام