ضمن إصدارات دار «العائدون للنشر والتوزيع» (عمّان/ الأردن)، صدرت حديثاً للشاعر السوري كمال جمال بك مجموعته الشعرية السادسة، وحملت عنوان «جِسْرُ الضُّلوع وهذه قصيدتي»، وهي تأتي بعد غياب الشاعر عن النشر ما يقارب عشرين عاماً، بعد مجموعته «مرثية الفُرات العتيق» الصادرة في العام 2000. وجاءت «جسر الضلوع..» في 102 صفحة، متضمنة إحدى وأربعين قصيدة، يتداخل فيها الخاص والعام بعد الكارثة السورية، ويحضر المكان والضحايا والذكريات جزءاً أساسياً في نسيج قصائد المجموعة. وما بين شام وفرات يفرد الشاعر جناحي الحب والغناء على كامل الأجزاء المنكوبة ويعلو فوق أوجاعها.
وتحت عنوان «طيور الألم من سكان القلب»، فإن الشاعر ابن مدينة البوكمال/ دير الزّور (مواليد 1964)، ودارس الفلسفة وعلم الاجتماع، والمقيم في السويد، يختار أن يُهدي مجموعته هذه إلى «شَاشِ الرُّوح، رحمي الثمانينيّ، وبيتِ اللجوءِ في مَنْفَايَ أُمّي الحجّة مريم الخليل؛ ورفيقتَي العُمْرِ الجميل والرَّحيلِ المُرّ الإعلاميّتين الأديبتين بدور عبد الكريم ولَما الخضراء. والدكتورين لارش ألبينسون وشارلوت ساندين، وأَهْلِهِمْ الطَّيبين في السُّويد».
وفي مطلع المجموعة، وفي عنوان «فاتحة» نقرأ:
أسابق الموت محموماً على أمل/
أن أستفيق غداً حرّاً من الجسد
لا تستديم حياة الطير في قفص
أضلاعه تكتم الأنفاس في الكبد.
وبعد الفاتحة، نقرأ «صباح الأَمل»، وهي محض سطرين شعريّين «صَبَاحُكِ شَامٌ وَعَذْبُ الفُرَاتِ/ يُجَمّلُنَا الحُبُّ فِيْ النَّائِبَاتِ»، ثمّ نلج إلى بيت شعر المجموعة، فنقرأ من «جسر الضلوع»:
صَبَاحُ الغَوَالِيْ
عُيُونُ الَّليَالِيْ
صَبَاحُ سُنُونُوَّتَينْ
عَلَىْ حِنْطَةِ الحَقْلِ رَاقِصَتَينْ
لَهَا بَهْجةُ المُقْلتَينْ
كَلُؤلؤتَيْنِ بِطَيْفِ ابتِسَامَهْ.
تسود المجموعة روح الحبّ والحياة، من جهة، ورهبة الحرب والموت من جهة مقابلة، فنقرأ:
قَالتِ الأَنْسَامُ للعَاشقِ..
- فِيْ الحَرْبِ كَمَا فِيْ الحُبّ –
يا عَابِرُ أَدْمَنَا الرَّحيْلا.
ويخوض الشاعر في المكان السوريّ عموماً، والدمشقيّ خصوصاً، وفي دمشق القديمة بتفاصيلها المألوفة.
وتتنوع أساليب ووسائل التصوير والتشبيه، كما تتعدد بحور «التفعيلة» التي يكتب الشاعر بها قصائده، بل إنه يلجأ إلى «كان يا ما كان»، ليحكي على طريقة السارد والراوي، فنقرأ مثلاً:
فِيْ الحِكَايَاتِ عُيُونٌ وَقَنَادِيْلُ
وَلَيْلٌ – فِيْ الشّتَاءَاتِ – طَوِيْلٌ
فِيْ الحِكَايَاتِ مَرَايَا
من بِلادٍ تَتَوارَىْ خَلْفَ أَسْرَابِ الدُّخَانْ.
وبكثير من الحب والدهشة يكتب الشعر عن «الوطن القصيدة» و»القصيدة الوطن»، فنقرأ من «وطن القصيدة»:
أُريدُ أَنْ أَنَامَ يا أبي
في وَطَنِ القَصِيدَهْ
قَصِيْدَتي
- مِثلِيْ أَنَا –
فِيْ وَحْشْةِ المَنْفَى هُنَا
نَازِفَةٌ وَحِيْدَهْ!
وعلى الغلاف الأخير للمجموعة نقرأ من قصيدة «لَمْلَمَ الرّيشَ و.. طار»:
أُمّةٌ مُحتلَّةٌ أنْتِ..
وقلبي طَائِرٌ مِنْ قِطَعِ الفَخَّارِ..
مَنْ يَجْمَعُهَا في عُلْبةِ التلوينِ للذّكرى..
فللذّكرى حُقُوْقُ الجَارِ؟
مَنْ يَغْسِلُهَا مِنْ غَبْرَةِ الأمْطَارِ..
في أكْياس ألبانٍ مُصفَّاةٍ مِنَ الدَّمِ..
لكي يُرسِلَهَا للمَطْبَخِ السّريّ للجَدَّاتِ في صُنْدُوقِ غَارْ؟
صدرت للشاعر قبل هذه المجموعة، ثلاث مجموعات عن اتحاد الكتاب العرب، دمشق، وهي «فصول لأحلام الفرات» 1992، «سنابل الرماد» 1994 و»مرثية الفرات العتيق» 2000، فيما صدرت له مجموعتان في وزارة الثقافة- دمشق وهما «بعد منتصف القلب» 1995، و»فاتحة التكوين» 1996.