اللعيبي: فقدان الرؤية السياسية الصحيحة أغرق البلد… وإعادة الهيكلة ضرورة
بغداد ـ الصباح الجديد:
وصف وزير النفط السابق عضو اللجنة البرلمانية العليا للطاقة جبار اللعيبي الحصيلة التي وصلت إليها العملية السياسية في العراق بأنها «مؤلمة بجميع مفاصلها الحيوية، وخلفت فقراً مدقعاً وجوعاً ضاغطاً على الناس، إضافة إلى تدني مستوى العيش، وإهدار مالي يزيد على 50 مليار دولار سنوياً في قطاع النفط فقط وبقية الخدمات التابعة». بحسب ما جاء في تقرير للباحث والكاتب العراقي صباح ناهي.
فقدان الرؤية السياسية الصحيحة
وقال، في حديثه مع «اندبندنت عربية»، «الأوضاع الحالية أنتجت ارتفاعاً في أعداد ملايين المهاجرين والمهجرين داخل وخارج العراق، إضافة إلى اقتصاد مخرب نتيجة تراكم الأحداث والحروب والصراعات التي مرت على البلد منذ ثمانينيات القرن الماضي».
وأضاف اللعيبي، «التراجعات استمرت حتى بعد 2003 نتيجة حتمية للسياسات الخاطئة، برغم خروج العراق من هيمنة الحصار خلال تسعينيات القرن الماضي»، موضحاً «فقدان الرؤية السياسية الصحيحة للحكم أدى إلى إغراق البلد والأجهزة الرسمية في فساد حكومي ومجتمعي ناجم عن تراكم الأخطاء السياسية، ما أدى إلى التراجع في اتخاذ قرارات إصلاحية حاسمة من شأنها أن تنقذ العراق من الضياع».
وتابع الوزير، ان «غياب الرؤية عن تحديد الأولويات في بناء دولة عصرية من أخطر وأهم الأسباب التي قادت إلى تراكم الانتكاسات وتوقف الحلول الآنية، واتخاذ الحكومة الحالية قرارات فوضوية في ظل واقع ناقم، ومن دون قدرة وكفاءة لإحداث النقلة النوعية في حياة المجتمع، برغم الإمكانات التي حباها الله للعراق أرضاً وشعباً وبيئة وموقعاً مميزاً تُمكن من اختزال الزمن وتقلل من الخسائر، وتعجل من نهضة البلاد».
تناقص أعداد الكفاءات
وبشأن تصوره للخروج من الأزمة الشاملة التي يمر بها العراق قال جبار اللعيبي، «إذا ما امتلكت الرؤية في تحديد الأولويات والعمل على تحقيقها من خلال عملية تنموية ناجحة ترفع مستوى الأداء السياسي وتوظيف العامل الاقتصادي في حل الأزمات المجتمعية، يمكن إنقاذ البلد، الذي بات تحت ضغوط سياسية واقتصادية في الداخل والخارج، ما يعجز معه في حل أبرز المشكلات المعرقلة والضاغطة».
وأضاف، ان «ما يزيد الطين بلة هو عدم الدراية بطبيعة التحديات التي تواجهنا، وفي مقدمتها تناقص أعداد الكفاءات التي تراجعت بضغط العامل السياسي الطارد الكفاءات، واعتماد البلد على مورد واحد هو النفط، الذي يوفر عائدات مباشرة لا تحتاج إلى جهود كبيرة بحكم وجوده المتوارث».
إعادة هيكلة القطاع النفطي
وبحكم خبرته الطويلة في القطاع النفطي التي امتدت نصف قرن يقول المسؤول العراقي، «تسلمت مواقع متدرجة في وزارة النفط على مدى سنوات طويلة، وكانت لدينا رؤيتنا الخاصة لإحداث تطور جذري في هذا القطاع، الذي لا يكلف ميزانية الدولة إلا قليلاً من الجهد والاعتماد على القدرات الوطنية، إذ يمكن من خلال هذه الرؤية حصد نتائج كبيرة توفر مبالغ هائلة لخزينة الدولة».
وحسب اللعيبي فإن أبرز العقبات والمشكلات في أجهزة النفط العراقي تتمثل في «الدعوة إلى إعادة الهيكلة غير الصحيحة، والنظام الإداري القديم الذي يحكمها ويضيف أعباءً تحول دون تطوره»، مؤكداً أنه «لا بد من الشروع ببناء إدارة ذات كفاءة وشجاعة من متخصصين ومدربين من الكادر الوطني الحالي، وإعطائهم الدور في اتخاذ القرار، والشروع بحملة تدريب للكوادر النفطية على التقنيات الحديثة في العالم والمواد المستخدمة من أجهزة ومعدات وأساليب».
وشدد، على إمكانية «النهوض الممكنة بالقطاع بإدارة مدربة ومؤمنة بالتغيير، تقوم بتحقيق تعظيم موارد الدولة ومضاعفتها في محصلة الإنفاق عليها وتدريبها».
استثمار الغاز
ودعا وزير النفط السابق إلى إحداث نقلة نوعية في القطاع النفطي من خلال «استثمار الغاز المصاحب للاستخراجات النفطية»، قائلاً «نخسر أكثر من 5 مليارات سنوياً نتيجة إحراق الغاز المصاحب في حقول النفط، في وقت يكلف استيراد المشتقات النفطية ببلد منتج النفط ومصدر له ما يقارب 3 – 4 مليارات دولار سنوياً، يمكن توفيرها بوسائل عديدة».
وأضاف «كما يكلف نقل النفط الخام الميزانية ما يربو عن المليار ونصف المليار دولار، في وقت كانت الدولة منذ العام 1975 تملك أسطول ناقلات وتوفر كل هذه المبالغ، ما يمنحنا فرصة لتطوير هذه الخدمة من جديد».
جولة التراخيص النفطية
وطالب اللعيبي بإعادة النظر في «استحقاقات جولة التراخيص ودفوعاتها»، مؤكداً أن ذلك «مطلب مهم لخفض الضرر الذي تعانيه البلاد جراء هذا القرار الخاطئ، إذ تكلف ميزانية الدولة 15 مليار دولار، ويمكن العمل على خفضها إلى 8 مليارات، وذلك بضرب الفساد المرافق لها، إذ يمكن السيطرة على هذا الهدر خلال عامين».
وتابع «تجاوز استيراد المنتجات النفطية 30 مليار دولار خلال الفترة من 2003 إلى 2018، في وقت يقدر استيراد هذا المنتج خلال هذا العام بـ4 مليارات دولار في بلد منتج النفط ومصدر، مؤكدا أنه «توجد قوى تحول دون تمكينه من تصفية النفط محلياً».
وواصل الخبير في شؤون النفط العراقي دعوته إلى السيطرة على هذا الهدر، قائلاً «إذا تمكنا من إعادة هيكلة وزارة النفط ودعم الكفاءات الوطنية بقوة يمكننا تطوير استثمار الغاز الحر، في حقلي عكاز وراوة وكل الحقول في المنطقة الشمالية الغربية، إذ يمكن توفير موارد سنوية بما يتراوح بين 15 و20 مليار دولار».
وعن تطوير قطاع تصفية النفط يوضح اللعيبي، «يمكن زيادة سعة التصفية بمعدل 500 ألف برميل يومياً، لتوفر ما يزيد على المليارين ونصف المليار دولار، في زيادة لإيرادات الدولة بمعدل 500 ألف برميل يومياً، كما أن رفع كفاءة قطاع الصناعة النفطية سوف يدعم توفير نصف احتياجات القطاع في المرحلة الأولى، ثم الاكتفاء محلياً في المستقبل لتوفر ملياري دولار مما ينفق الآن».
تأهيل محطات الكهرباء بالغاز
ويرى اللعيبي أن الهدر في إصلاح قطاع الكهرباء «كان سيئاً»، موضحاً «لا بد من العمل على تأهيل محطات الكهرباء بالغاز خلال سنتين لتخطي استخدام النفط الخام والأسود الثقيل، والاستهلاك المالي يصل الآن 300 ألف برميل يومياً، وتنفق الدولة عليه 6 مليارات دولار سنوياً بمتطلب إنتاج الطاقة الكهربائية التي يمكن تعويضها بالغاز المحروق في حقولنا هدراً».
وبشأن رؤيته للوضع الاقتصادي العراقي المتهالك يقول «التوقعات بشأن العجز في الميزانية المقبلة سيكون ثقيلاً نتيجة الهدر وتغلغل الفساد، ومن الأجدى للدولة أن لا تعتمد على المورد الواحد في اقتصادها الريعي الحالي، وإذا كان لا بد من الحصول على موارد إضافية من القطاع النفطي فيجب اتخاذ إجراءات مُلحة لتطوير القطاع من خلال المضي في إعادة هيكلة وزارة النفط، إذ من شأنه توفير 30 ألف فرصة، قد تحل أزمة كبيرة لجيوش العاطلين في البلاد، التي يحرق نفطها وغازها كما تحرق قلوب أبنائها».