حسين سلمان
أنا أراك فعليك أن تراني ..
هكذا يمكن الدخول الى تشكيل الفنان ستار نعمة الذي قدم لنا بصيغة عنوان ( جوهر النور ) وربما هو ، كما ارى ، مرايا الفكر الذي يحتويه الكثير من الأنثيالات ، بل هو تشكيل انزياحي يأخذ المنطقيات بعيدا عن الواقع وما هو مألوف في الفهم الاعتيادي والمتداول اليومي .
فأنا أراك هو مقاربة فكرية ــ تشكيلية تعني أنا الكتاب ..وعليك أن تراني تعني أنك القاريء حيث تتشكل فيما بينها رؤى كثيرة مثل المرآة تتدفق باضوائها وبكل انعكاساتها متجسدة بالوعي الأنساني المتجذر عميقا في التراث والعطاء البشري .هنا تصبح هي دالة العقل ، هي دالة الفكر ، هي التأمل والتأويل ، وهي السؤال الفلسفي والسؤال الجمالي في آن . هذا الاشتراك ، هذا التداخل والتمازح يمنحنا طاقات في التفاعل والذي يقود الى شراكة الأشياء في عرض التشكيل مضمونا وشكليا .ولهذا فأننا أمام تماثل في تكوين هذا التشكيل (جوهر النور ). هناك حرية في المشاهدة (حرية تأمل طبقا لمستوى الفهم وطبقا لمستوى التفاعل ) وهناك ايقاع داخلي ضمن التشكيل بشكليه العام والخاص وكذلك ايقاع حركة التشكيل وحركة المشاهد ..هو اقرب الى الحركة السينمائية فالكادر هنا يتمتع بتلقائية المشاهدة ، خاصة وان الفراغ والفضاء تعد من العناصر الأساس في تقبل واستيعاب العمل ، لان اللقطة هنا متحركة اقرب الى حركة استعراضية ، كما يمكن أن تكون حركة دائرية .هنا يجد المشاهد حرية في المشاهدة ،وهذا ما أضاف للعمل جمالية اخرى .
اذن هناك الكثير من الكلام الذي تتحاور به الشخصيات او لنقل الحوار الذي تقوله تلك الشخصيات الى المشاهدين. الأمر هنا أشبة بالحبكة الملتوية التي تسير مع المشاهد والتي تتغير طبقا لأحاسيسه وتفاعلاته، لأننا هنا نلاحظ العناصر الداخلة في التشكيل تمنحنا حرية استخلاص الأفكار الكامنة في العمل. اقصد أن اللقطة من وجهة نظر المشاهدة متغيرة، مرة تكون لقطة قريبة ومرة اخرى تذهب الى اللقطة العامة مثلما هناك تكوينات مختلفة طبقا للزاوية التي يرى فيها المشاهد هذا النصب الجميل.
ليس صدفة، كما ارى، ان يطغي اللون الابيض الذي نقشت عليه الحروف السوداء.ان هذه الخصيصة التصادمية قد تذهب الى تلك الثنائية في التضادات، كما هو في العلم النور والظلام، كما هو في الدين الخير والشر، كما هو في الثقافة الابداع والجهل.
هنا يدفع المضمون حالة التأمل للتشكيل (جوهر النور) الى ان تكون الرؤية متداخلة بين الشخصيات الست، وأن اختلفت بعض الشيء في الحركة الفعلية لكل شخصية من تلك الشخصيات. أن التقارب هنا يذهب الى الإنسانية التي تسود التشكيل والى البواعث الحقه في تقديم الأنسان بأبهى شكل يتناسق ويتفاعل مع المضمون.
يتمتع التشكيل (جوهر النور) بحركة تصميمية تكاد تتقارب في أحيان ما بين الشخصيات. فنحن نشاهد حركة أيادي متقاربة، وهناك انحناءات في الرؤوس وفي الجذوع، ربما يكون هذا عائد الى المانيكات (الدمى) التي استخدما الفنان ستار نعمة قد تحكمت بتلك الحركات.
اذن حتى يقف الانسان ، وحتى يستطيع ان يشع ضيائه وتتجسد فاعلية التأثير، عليه ــ اي الانسان ــ ان يبني قاعدة كبيرة من الأسئلة ، انطلاقا من القول الرصين وهو لا يمكن ان يتطور الانسان من دون الأسئلة التي تمثلت بالكتب ( القاعدة الرصينة ) والتي هي الوحيدة التي تثير تلك الأسئلة ، هي الحروف الأولى التي مهدت لحضارة الانسان الذي يجب ــ طبقا للفهم الفلسفي للتشكيل ، ان يبني قاعدته الكبرى حتى يكون قادر على التفكير..التفكير في الخلق ، في الابداع..التفكير ان يحلق عاليا بما لا يمكن تصديقه ، تماما هو يدهش الكون ويمنحه عنفوان الامتداد لبناء أنسان قادر على أحداث تغير في طرق الحياة عندما تكون قد توقف فيها الكثير من متطلبات التقدم .كما ان استعمال الورق في تغليف الأشكال الست له دالة مترابطة مع أهمية المحتوى الذي تشكل فكريا انتسابا الى المفهوم المتقدم في صناعة هذه المادة التي أحدثت انعطافا كبيرا في تطور العقل البشري .