ذكرياتي مع المرحوم إسماعيل زاير في مكتب الصباح الجديد في أربيل

سامي حسن

ما ان حطت طائرة الخطوط الجوية العراقية رحلتها في مطار أربيل التي لم ارها منذ اكثر من ثلاثين عاما مضت حتى شعرت انا وزميلي ( أبو رحومي ) حينذاك بلذعة برد قارص ، كان من المفترض ان نحسب لها حسابا في ارتداء سترة او قمصلة فوق القميص ، كانت السيارة الاوبل الزرقاء في انتظارنا لنقلنا الى مكتب جريدة الصباح الجديد في حي الإسكان وسط المدينة الجبلية .
درجات الحرارة كانت منخفضة في ليل ذلك اليوم من أيام الشتاء ، فاستقبلنا رئيس التحرير إسماعيل زاير ( رحمه الله ) وزوجته ( مدام آنا ) كعادته بحفاوته المعهودة وطلب منا ان نذهب الى البيت المجاور لمكتب الجريدة الذي اتخذ منه مأوى ومناما للعاملين في للجريدة لتغيير ملابسنا والاسترخاء ثم العودة الى المكتب في جلسة عمل كانت اقرب ما تكون الى المسامرة تتخللها الاحاديث عن الأجواء المشحونة بالاحداث المتسارعة التي تجري في بغداد في أوقات الطائفية العصيبة التي نالت من أبناء الشعب العراقي بكل طوائفه بالقتل والخطف والتدمير فكأنت كارثة قد حلت في ارجاء هذا البلد المشهود بمتانة روابطه وحياكة نسيجه ووشائجه ، لقد مررنا في أوقات عصيبة لا يمكن وصفها في ذلك الحين من عام 2007 المشؤوم على العراقيين الذين فقدوا فلذات اكبادهم من الأبناء والاحبة وذوي القربى ، ثم ابلغناه ان ولده الزميل ظافر منحنا الاذن بالسفر الى أربيل وقال انني مستعد ان اقطع التذاكر على الطائرة لاي منتسب في الجريدة يجد من الخطورة على حياته خلال تواجده في مقر الجريدة ببعداد ( هذه كلمة حق تقال ) .. ظافر شجعنا على السفر لكي يتدارك المخاطر التي أحاطت بالعاملين ومنتسبي الجريدة في ذلك الزمن المر .
بات عملنا اليومي في المكتب مثله في المركز نحن نعد الصفحات ونرسلها عبر الانترنيت للمتواجدين من الزملاء الى المطبعة ، حتى كان عصر يوم من ربيع عام 2008 كان رحمه الله جالسا في الحديقة وما ان دلفت حتى ناداني واسر في اذني ان اذهب غدا الى بغداد لانجاز اعمال تخص الجريدة والعودة في اليوم التالي فكان له ما أراد وانجزت كل المهام التي كلفت بها – ومنها نقل مجموعة من اللوحات الفنية – الى أربيل .
في اليوم التالي لعودتي طلب مني صباحا ان اوافيه الى مكتبه فقال فلنبدأ .. فافردت قائمة أسماء منتسبي الجريدة في بغداد التي جلبتها معي مع مقدار راتب كل واحد منهم فكان يملئ علي كل اسم مقدار الزيادة في راتبه نظرا للظروف الصعبة التي يعيشها منتسبو الجريدة في العاصمة بعداد آنذاك الا من عدد من الأسماء ارتأتى تاجيلها الى حين اخر لاسباب لم أتمكن من معرفتها في حينها ..
لا اعرف ما الذي جعلني ان اطرح عليه سؤالا الا بدافع المعرفة فقلت له هل انت براغماتي فرد باستغراب وتعجب لم هذا السؤال فقلت له لان نجاح العمل هو المعيار الوحيد للحقيقة: ففي كلّ خطوة يؤخذ بعين الاعتبار النتائج المستقبلية، ويدعو للتصرّف على أساس النظر إلى النتائج العملية والمثمرة التي قد تؤدي لها قراراتنا التي نتخذها في حياتنا، سواء كانت على الصعيد الشخصي أم المهني أم غيرها من الأصعدة.
فرد علي والابتسامة تعلو شفتيه قائلا ان القدرة على التكيف في مواجهة التصلب: ومن خلال التفكير العمليّ نصبح أكثر قدرة وقابليّة للتكيّف مع الأحداث الطارئة، بعيدًا عن الأحكام المسبقة التي من الممكن أن تسيء فَهمَنا للأحداث التي تقع حولنا ، مضيفا ان البراغماتية تعني التمسّك بفكرة معيّنة على نحو متعصّب ومتصلّب والاعتقاد الجازم بصحّتها، من غير الانفتاح على باقي الأفكار المطروحة حولنا، فما يتميز به الشخص البراغماتيّ هو أنّه شخص منفتح الذهن وحرّ أمام الإمكانات المتاحة له،
لافتا الى ان أهم الأمور التي تلفت البراغماتية نظرنا التطلع إلى المستقبل: إليها هي عدم الرجوع إلى الماضي والتفكير المرهق فيه بل التطلّع إلى المستقبل، كما أنّها ترفض الأحكام المسبقة التجريبية في مواجهة المثالية فكلا التيّاريْن -التجريبيّ والمثاليّ- من أبرز التيارات التي ظهرت في الفلسفة الحديثة وذلك لتأسيس نظرية في المعرفة ونظرية في الوجود فكيف استطاعت البراغماتية الاستفادة من التجريبية والمنهج التجريبي ض المنهج العقلاني والمثالية؟ إنّ البراغماتية ترفض المفاهيم الكلية والأيديولوجيات التي تقوم عليها، والتي تعتبِر أنّ هناك محركًا أعلى ومفهومًا متعاليًا للحقائق وهو مطلق ومحدّد سلفًا.
ثم قهقه بصوت عال وقال رحمه الله بالرغم من ذلك فانا لست براغماتيا كما تضن بالرغم انني قرات عنها الكثير ولكني اؤمن بالعمل على وفق المسار الصحيح الذي يراودني حتى في احلامي ولذلك اريد من كل منتسب في هذه الجريدة ان يحذو حذوي لأننا نريد ان نصل الى القمة وفي اسرع وقت .. هل كلامي مفهوم قلت له بالتأكيد نعم وها نحن نسير على خطاك مهما طال الزمن .. ها نحن نعاهدك اننا نسير على النهج الذي اختطه في حياتك من اجل الوصول الى مبتغاك وهي الحقيقية ثم الحقيقة .. فلترقد بسلام الى الابد .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة