كثيرة هي مشكلات الكتابة بغض النظر عن جنسها ، مقالة ، قصة ، رواية ، مسرحية ، خاطرة ، قصيدة ، اغنية ….الخ ، يمكن ان نستذكر من تلك المشكلات مايرد منها على الخاطر .. جهوزية الفكرة ، أجواء الكتابة ، الوضع النفسي للكاتب ، عادات وتقاليد وطقوس الجلوس الى الكتابة …الخ ، ومع توفر هذه المفردات جميعها ، تبقى هناك معضلة او صعوبة (تبدو) صغيرة ولكنها في حقيقة الامر متعبة ومقلقة جداً ، ولايعرف المتلقي عنها شيئاً لانها من ( هموم) المبدع ، وهي ( المقدمة) او البداية ، وتبسيط اقرب الى الذهن ( الأسطر الاولى من النص)!
ذات مرة كنت في حديث ثقافي مع احد الاصدقاء الادباء حول هذه القضية واذكر انه قال لي ما معناه [ عندما جلست لكتابة روايتي الاخيرة ، كلفتني الاسطر العشرة الاولى منها تمزيق عشرين مسودة ، حتى اذا فرغت من تلك البداية اللعينة ، أنجزت قرابة مئة وخمسين صفحة من دون ان امزق ورقة واحدة ] ، وكانت للرجل فكرة مقبولة وواقعية على ظرافتها ، حيث ضرب مثلاً على ذلك … أحدنا يود الانتقال من هذا المكان الى ذلك المكان ، وهناك اكثر من شارع واكثر من طريق امامه ، لكل واحد خصائصه وميزاته ، سلباً او ايجاباً ..هذا هو الأرباك الذي يصادفنا (تعدد الخيارات ) سواء في الكتابة او الدراسة او الزواج ..ولكن بمجرد ان يستقر رأيك وتختار احدى الطرق لايصالك الى الهدف ،سوف تواصل السير وتبلغ المكان المطلوب وانت مغمض العينين ، ولايعنيك ..بل لاتلتفت الى وجود مئات الشوارع والطرق الاخرى ..
في تسعينات القرن الماضي على الارجح – لاتحضرني السنة بالطبع – نشرت الأديبة العراقية المبدعة ( ميسلون هادي) مادة ثقافية في مجلة( ألف باء) حول هذا الموضوع حيث أجرت عدة لقاءات مع شخصيات ادبية واعلامية ..فكان هناك شبه اجماع في الرأي على الصعوبة التي تعترض سبيل الكاتب ، لأن مسألة ( كيف نبدأ) ملغومة بمعضلة جوهرية تتمثل في اختيار الاوفق – وليس هناك من يعين المبدع في الاختيار سوى قناعته الموزعة بين اكثر من رأي – وكلما ارتفع عدد الخيارات او الاختيارات كلما تعاظمتِ الصعوبة ..واعتقد ان احد الذين شملهم اللقاء لخص المشكلة بمعنى العبارة التالية : في اللحظة التي استقر فيها على البداية اكون قد وصلت الى النهاية …
حسن العاني