عاصم جهاد *
اضحك.. البلد يضيع!
ليعذرني القراء في “مقرمش” هذا اليوم لأن أسلوب كتابتي قد يختلف تماماً عما تعودوا عليه في كل مرة، لكنه بالتأكيد سيظل ينبض بالوطن والمواطن، لم أتمكن من الكتابة التي من شأنها أن تبعث السرور والمزاح والبهجة والمشاكسة والنقد المبطن وما بين السطور.. كيف لي أن أمازحكم أو أضحكم معكم أو أشاكسكم.. والقلب ينزف حزناً ، والعين تدمع دماً.. ها أنا أذ أضع “المقرمش” الذي كان معداً لمناسبة ذكرى عيد الصحافة الوطنية جانباً وأؤجل دفعه الى النشر الى حين، كنت أنوي تناول قضية الصحافة في ظل فوضى الحرية واليمقراطية، لكن ومن خلال متابعتي لتطورات الأحداث التي تجري في بعض محافظاتنا العزيزة.. ومع صدى كلمات النشيد الوطني التي كانت تتردد في مخيلتي وتهز كياني
موطني..موطني
هلْ أراكْ هـلْ أراكْ
سالِماً مُـنَعَّـماً وَ غانِـمَاً مُـكَرَّمَاً
هـــــلْ أراكْ فـي عُـــلاكْ
تبـلُـغُ السِّـمَـاكْ تبـلـغُ السِّـمَاك
مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي
وجدت ومن دون إرادتي.. نزيف الكلمات وهي تتساقط وتتجمع لتكون مجموعة من الصور وهي تترجم مشاعر وأحاسيس مخلصة لمواطن يعشق رائحة تربة وطنه، ينام في ظل سعف نخيله، يرتوي من فراتيه عذب مائه، يأكل ما أنعم عليه الرب الكريم من خيراته.. خبزاً وتمراً ولبناً ووفاءً وكرماً وعلماً وثقافة وتربية وأدباً وفناً وحضارة.. كيف لي أن أسمي كل هذه الأشياء التي تجمعت في لحظة خوف وقلق على ضياع وطن.. وماذا يمكن أن أطلق على هذا القلق، هل هي.. صرخة مظلوم؟.. أم نداء استغاثة؟.. أم عتاب محب؟ أو نقد هدفه الإصلاح في أمتي ؟ أو جرس إنذار على وطن يتمزق ؟ أو هو خوف وغيرة عاشق على معشقوه ؟ أو.. هو صوت لمن لا صوت له ؟ هل هو أنين وصرخات أمهاتنا الثكالى .. وأوجاعهن؟ أم كل ذلك؟.. أم هو تحذير ممن يحاول تدنيس تربته الطاهرة ممن هم على شاكلة “الغربان” “الغرباء”.. هل نقول “مبرووووك” لكل من تسبب بهذا الوجع والألم سواء من ناصره أو تواطأ أوتعاطف معه سراً وعلناً !
أم نقول.. مبروك لكم جميعاً.. هاهو.. وطنكم يحترق، يتمزق، تستباح أراضيه، يُطعن في كرامته، يستوطنه الغرباء.. بفضل ما زرعتموه يا “ساسة” الصدفة.. لقد صدعتم رؤوسنا بلغوكم الفارغ طيلة الفترة الماضية ولم نحصد منه.. إلا الحقد والقسوة والتفرقة والفتنة والفساد والشعارات المزيفة وقصورالأوهام.. أين أنتم الآن.. والوطن.. يأن على فراش التمزيق.. لقد مللنا تصريحاتكم الخاوية … أين اختفيتم … وأين أخفيتم رؤوسكم.. كالنعام كنتم دائماً.. كما عهدناكم في كل مرة يتعرض فيه الوطن الى خطر وتهديد !
هاهو وطنكم تُنتهك أعراضه.. تُنهب ثرواته… تٌهدم آثاره ويسرق تاريخه.. هاهم يحاولون إصدار بطاقة هوية جديدة.. لوطنكم ليحمل اسماً هجيناً لم نألفه من قبل… ماذا تريدون أكثر من ذلك ؟.. وماذا أنتم فاعلون.. كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.. مبروك.. لكل من أراد لهذا الوطن أن يتمزق.. أن يحترق.. أن يتأقلم.. أن يتشظى، مبروك.. للفضائيات التي روجت لكل ذلك.. وحرضت على قتل حماة الوطن.. مبروك.. لكل الأقلام التي باعت شرفها المهني والوطني.. مبروك.. لكل سياسي.. تاجر بقضية شعبه.. وآلام وطنه!
مبروك.. لكل “الصناديد” من الذين لم يرق لهم قلب على جرح وطن أو يرف لهم جفن.. سواء على دمعة طفل أوعلى مواطن بريء سقط غدراً.. أو سهواً من قاموس الحياة!
مبروك لكل من وقف متفرجاً ساكناً شامتاً!
شعوب العالم..ستنشغل هذه الأيام بمتابعة مباريات بطولة كأس العالم..
بينما نحن سننشغل بجمع أشلاء ضحايا مباريات الصراعات السياسية والمزايدات الوطنية ونزيف الوطن الذي لاينتهي.. الوطن الذي يراد له أن تتقطع أوصاله … أن يتمزق الى شعوب وقبائل وأحزاب.. ويغني كل طرف منه على ليلاه !
هناك من يبكي حباً…..هناك من يبكي ندماً.. تخاذلاً.. خيانةً.. انكساراً.. انتكاسة!
وهناك من يضحك تشفياً!
توقف القلم عن الكتابة .. لكن صدى النشيد الوطني لم يتوقف وظل يردد.. وينشد :
لا نُريــــــدْ لا نُريــــــدْ
ذُلَّـنَـا المُـؤَبَّـدا وعَيشَـنَا المُنَكَّـدا
لا نُريــــــدْ بـلْ نُعيــــدْ
مَـجـدَنا التّـليـدْ مَـجـدَنا التّليـدْ
مَــوطِــنــي مَــوطِــنِــي