صادق باخان*
مهما قالوا عن الانتخابات البرلمانية التي جرت في الثلاثين من شهر نيسان وما سيقولونه من جدل بيزنطي ومهما ابدت العواصم الخليجية من رفضها السماح للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات باستثناء دولة الامارات العربية المتحدة بفتح مراكز للتصويت فيها فان العراقيين خرجوا من جديد وتحدوا الارهاب والارهابيين وتوجهوا الى صناديق الاقتراع ليغمسوا اصابعهم في الحبر البنفسجي ليختاروا ممثليهم في البرلمان لاربع سنوات اخرى عسى ان تصبح هذه المدة فاتحة خير لهم وللعراق الذي بات يعيش تحت ظلال ديمقراطية ناشئة يمكن ان تتطور وتنشأ مع تطورها المجتمعات المدنية شريطة بروز كيانات سياسية تؤمن بالديمقراطية بوصفها الخيار الامثل لاحداث تغييرات بنيوية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية باتجاه تكوين طبقة وسطى قوية ومتنورة لتكون مضادة للبيروقراطية المترهلة التي افسدها تراث طويل من الترهل الوظيفي القائم على الاميين الثانويين الذين ما لبثوا يحتلون اهم المراكز الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع –
بالتأكيد يمكن للكيانات السياسية الفائزة في الانتخابات التي قد لا تفوز بالاغلبية وتلجأ الى تشكيل ائتلافات مع كيانات اخرى بغية تشكيل الحكومة الجديدة ان تعيد دراسة التجربتين الالمانية واليابانية في البناء لما بعد الحرب العالمية الثانية ، فقد توفر لهذين البلدين المهزومين في الحرب العالمية الثانية رجال من ذوي عقول جبارة يتمتعون بروح البناء والوجود الاصيل اذ ظهر في المانيا رجل سياسي من طراز المستشار كونراد اديناور ورجل اقتصادي من طراز غيرهارد لودفيغ فاعادا مع فريق من الرجال الممتازين بناء المانيا الغربية بحسب ما كانت تسمى في حينها وانتشالها من خرائبها ودمارها في حين ان امبراطور اليابان هيروهيتو راح يخاطب اليابانيين بالقول ان الدولة التي الحقت الهزيمة باليابان لا بد ان تكون اقوى علمياً من اليابان فاتركوا السلاح وتوجهوا الى العلم.
وفعلاً راحت امبراطورية الشمس تكسر سيف الساموراي وانتحر الجنرال الذي ابتكر الهجمات الانتحارية المعروفة باسم كاميكازي بأن بقر بطنه بسيف الساموراي لان الياباني لا يقبل بالهزيمة وعليه ان ينتحر ولا يقبل بعار الهزيمة وخرج الحزب الوطني الليبرالي ليحقق المعجزة الاقتصادية في زمن قياسي من دون ان تملك اليابان قطرة واحدة من النفط لتغزو بالتالي الاسواق العالمية بمنتجاتها الكهربائية والتكنولوجية وسياراتها بجميع انواعها وتصبح اليوم ثالث اكبر اقتصاد في العالم في عهد رئيس الوزراء شنزو ابي الذي بات يواجه ضغوطاً تجارية من الولايات المتحدة الاميركية بخصوص بعض التبادلات التجارية ،
فاين يكمن الخلل بقدر ما يتصل الامر بالعراق الذي يستلقي على بحيرات من النفط والغاز في حين بات المتسولون يحتلون ارصفة وكراجات بغداد وصار المتخرجون في الجامعات العراقية يبيعون مياهاً معبأة بالقناني او يقعون تحت اغراء الحاجة وبالتالي يصبح من السهل على الجماعات الارهابية شراء هؤلاء الشباب العاطلين عن العمل وتجنيدهم للقيام باعمال ارهابية او تفجير انفسهم في الاسواق الشعبية والمقاهي او زرع المتفجرات في سيارت النقل او تفجير المساجد والحسينيات بغية ايقاع اكبر الخسائر بين المواطنين الابرياء ؟
هل الخلل في غياب التخطيط العلمي وانتشار الامية وشيوع الكسل والترهل والاعتماد على الدولة بوصفها السلطة البطرياركية التي من واجبها رعاية ابنائها ام ماذا ؟ ام لان العراق لم يعمل غداة التغيير السياسي الذي جرى في العام 2003 بنظام الحزبين مثلما هو متبع في اغلب الانظمة الديمقراطية في العالم ، بمعنى ان يشكل الحزب الفائز بالاغلبية الحكومة في حين تشكل الاقلية المعارضة ؟ ولكن المصيبة لدينا ان صراعات محتدمة قامت بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ترتب عليها الغاء مشاريع استراتيجية كان من الممكن لو اجتمعت الارادات بشأن اقامتها ان تنقل العراق والعراقيين الى حال افضل ولكن ماذا تقول عن الاكمام الطويلة التي تمتد تحت الطاولات الداخلية والاكمام الطويلة الممدودة من خارج الجغرافيا العراقية التي باتت تنزعج من ارتفاع الانتاج النفطي العراقي وتعمل على التأثير في الشركات النفطية العالمية بعدم العمل في العراق لانه يعاني من عدم الاستقرار وانتشار الاعمال الارهابية فيه اليس كذلك ايها الدكتور حسين الشهرستاني ؟
حسناً ، فقد كانت الاعوام الاربعة المنصرمة شاقة وعصيبة على العراقيين الذين دفعوا اثماناً باهظة بسبب الصراعات السياسية بين الاحزاب والكتل السياسية وقدموا كتائب من الشهداء في هذه الحرب مع الجماعات المتطرفة التي خسرت امتيازاتها الطبقية ووجاهتها الاجتماعية المزورة افهل تصبح الاعوام الاربعة المقبلة مستهلاً لمراجعة النفس وترميم الاخطاء التي ارتكبت بحسن نية او سوء نية ويلجأ الجميع الى ترجمة شعار التغيير الذي رفعوه وسطروه على دعاياتهم الانتخابية لكي يمكن القول بالتالي بأن العراقيين تحدوا فعلاً الارهاب بالاصبع البنفسجي فلا تجعلوهم يشعرون بالاحباط مرة اخرى وهم يستحقون العيش في رفاهية وعزة غداة كل هذه الثروة الضخمة التي تدفقت على العراق نتيجة ارتفاع انتاج النفط واستعادة الثروات العراقية التي كان النظام السابق يحتفظ بها في البنوك الاوروبية –
*من اسرة تحرير الصباح الجديد