عبدالزهرة محمد الهنداوي*
لا ابوح سراً ان اعترفت باني كنت قلقا لدرجة الخوف من احتمال حصول تداعيات تتعلق بالانتخابات لاسيما بعد الضجة والكلام الكثير الذي اثير بشأن صدور فتوى من احد المراجع تحرم انتخاب جهة وتدعو الى انتخاب جهة اخرى .. وقد سبق للمرجعية متمثلة باية الله العظمي السيد علي السيستاني تأكيدها مراراً بوقوفها على مسافة واحدة من الجميع وان على المواطن العراقي ان يحدد اختياره للاصلح والانزه والافضل على اعتبار ان هؤلاء المرشحين جميعا وقد تجاوز عددهم التسعة الاف مرشح جاءوا من رحم الشعب وبالتالي فالناس اعرف بهم ومن هو الافضل بينهم .. كان خوفي متأتيا من احتمال حصول حالة من التصدع في كيان المرجعية التي كانت وعلى مدى السنوات العشر الماضية بمنزلة السد الامين الذي حمى العراق من فيضانات الطائفية المقيتة .. المؤلم في الامر ان عدداً من الفضائيات انبرت وبكل ما تملك من امكانات سخرتها لها دول معروفة بعدائها للعراق وسعيها لتخريب العملية السياسية في البلاد بكل تفاصيلها لاسباب اقتصادية ترتبط بطاقات العراق التصديرية للنفط اذ يتوقع خبراء النفط ان تصل مستويات التصدير الى 12 مليون برميل يوميا خلال السنوات المقبلة ومعنى هذا ان دولا مهمة ستخرج من سوق النفط العالمية .. وهناك اسباب اجتماعية وسياسية في مقدمتها الخشية من ان تصل رياح التجربة العراقية الى تلك الدول فتقتلع عروشها الخاوية القائمة على اساس مصادرة الحريات .. هذه الفضائيات بدأت تخلط الابيض بالاسود لكي تضيع معالم الصورة ويصبح المواطن في حيرة من امره ولن يكون بامكانه الاختيار في ظل تهديدات امنية وفتاوى دينية اخرى حرمت المشاركة في الانتخابات تماشياً مع قرار (داعش) بتحريم الانتخابات وبالتالي لابد من الاجهاز على المشاركين سواء من خلال القتل او التغريق كما حدث ويحدث في مناطق ابي غريب غربي بغداد حيث غمرتها المياه القادمة من الفلوجة التي لم تشهد حصول انتخابات فيها بسبب سيطرة الدواعش هناك ..
كنت قلقاً جداً للاسباب الورادة لاحتمال ان يصاب الناس بحالة من الاحباط فيعزفوا عن المشاركة في الانتخابات على الرغم من الاقبال الكبير الذي شهدته انتخابات التصويت الخاص والتصويت في الخارج وقد وجدت مبرراً لذلك فالتصويت الخاص اغلب المشاركين فيه هم من القوات الامنية وبالتالي عندما تصدر الاوامر لهم سيدلون باصواتهم وفي هذا الصدد اشار احد (فطاحلة) التحليل السياسي الذي (يلكفها وهي طايرة) قال ان قوات الجيش والشرطة صوتوا جميعهم لجهة معينة متنفذة والدليل انهم جاءوا جميعهم بملابسهم العسكرية !!! .. ثم عاد هذا الجهبذ في اليوم الثاني ليعلن ان تصويت القوات الامنية مثل صدمة لتلك الجهة اذ لم يصوتوا لها !!!
في ليلة الانتخابات كنت اتبادل الرسائل عبر الفايبر والفيس بوك مع الكثير من الزملاء والاصدقاء فكان الكثير منهم يؤكد ان الانتخابات ستنجح ..وفي صباح يوم الانتخابات كان كل شيء يبدو هادئاً فليس هناك اية حركة للسيارات باستثناء مرور بعض سيارات الشرطة بين ساعة وساعة اخرى اخرى او مرور طائرة مروحية في الاجواء فتبدد الصمت وما ان تجاوزت الساعة السابعة حتى بدأت اسمع ضحكات وكركرات الاطفال تملأ الشارع فهم ينتظرون هذا اليوم لكي يمارسوا هوايتهم المفضلة وهي لعبة كرة القدم من دون اية مضايقات .. بعد ذلك بدأت طلائع الناخبين تمر يتبع بعضها بعضا صوب مراكزهم الانتخابية .. وكلما تقدم النهار ازدادت اعداد الناخبين وتناقصت مناسيب القلق عندي لاسيما بعد ان ادليت بصوتي انا وعائلتي وعدد من الاقرباء والجيران .. مر النهار هادئا لم تعكره اية مشكلات سوى سعي تلك الفضائيات المسمومة وبعد ان احست بفشلها في التأثير على الناخبين راحت تبث اخباراً بتوقف الاجهزة الالكترونية .. وحين فشلت في تسويق هذه الكذبة اتجهت الى اسلوب آخر يقوم على اساس توجيه الاتهامات الى القوات الامنية وقيامها بمنع الناخبين من الوصول الى المراكز الانتخابية او قيام تلك القوات بالاستيلاء على صناديق الاقتراع في مناطق بعينها والذهاب بها الى جهة مجهولة .. وغير ذلك الكثير .. ولكن كل تلك الاراجيف والاكاذيب لم تنل من عزم العراقيين فاكملوا يومهم مدلين باصواتهم لمن وجدوا فيه ممثلا حقيقيا لهم .. وقد شهد بنزاهة وسلاسة تلك الانتخابات القاصي والداني بما فيها الامم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الاوروبي فضلا عن المرجعية الرشيدة ومنظمات المجتمع المدني وقد فاقت نسبة المشاركة كل التوقعات بعد ان وصلت الى اثنين وستين في المائة وهذا امر لم تشهده الانتخابات العراقية السابقة ولا حتى الدول ذات الانظمة الديمقراطية المتطورة مثل الولايات المتحدة الاميريكية .. اما تلك الفضائيات فانها لم تتوقف عن سعيها لتخريب واقع الحال فبدأت تتسقط صورة من هنا وخبراً مفبركاً من هناك في محاولة للنيل من هذا النجاح الباهر الكبير الذي حققه العراقيون في الثلاثين من نيسان 2014 ..ولكنها لم تحصد سوى المزيد من الفشل !
مبارك للعراقيين نصرهم ونجاحهم في هذا الامتحان العسير ومن جديد اثبتوا انهم على قدر المسؤولية وهم اكبر من الاعيب الزعاطيط الذين جندتهم تلك الفضائيات للتأثير على بسطاء الناس .ومنهم ذلك الزعطوط الذي خلع ملابسه السود بطريقة بهلوانية تثير الضحك والشفقة عليه لانه بدا فاقداُ لتوازنه !!
*المتحدث الرسمي بأسم وزارة التخطيط