برعاية أميركية
متابعة ـ الصباح الجديد :
بدأت الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في العاصمة القطرية الدوحة امس السبت، محادثات سلام تاريخية برعاية أميركية ترمي إلى إنهاء ما يقرب من عقدين من الحرب، رغم استمرار أعمال العنف على الأرض.
ودعا كبير المفاوضين باسم كابل عبد الله عبد الله في الجلسة الافتتاحية العلنية إلى الاتفاق على وقف لإطلاق النار، متحدّثا عن مقتل 12 ألف مدني وإصابة 15 ألفا آخرين بجروح منذ توقيع اتفاق بين الحركة والولايات المتحدة بشأن الانسحاب من هذا البلد في فبراير الماضي.
وقال المسؤول الحكومي المكلّف المفاوضات باسم كابل في كلمته الافتتاحية “علينا أن نوقف العنف وأن نتفق على وقف إطلاق نار في أسرع وقت ممكن. نريد وقف إطلاق نار انسانيا”.
وحضر الجلسة المسؤول في حركة طالبان الملا عبد الغني برادر ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ممثلون عن الاطراف الافغانية ودول أجنبية.
خلافات مريرة
وانطلقت المفاوضات بين العدوين اللدودين بعد ستة أشهر من الموعد المقرر، بسبب خلافات مريرة حول صفقة تبادل أسرى مثيرة للجدل تم الاتفاق عليها في فبراير الماضي.
وبدأت المحادثات بعد يوم من الذكرى الـ19 لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي دفعت الولايات المتحدة إلى غزو أفغانستان وإطاحة نظام طالبان الذي كان يأوي زعيم تنظيم القاعدة المتطرف أسامة بن لادن قبل مقتله.
وقال بومبيو في كلمته “سنواجه بلا شك العديد من التحديات في المحادثات خلال الأيام والأسابيع والأشهر القادمة. تذكروا أنكم تعملون ليس فقط من أجل هذا الجيل من الأفغان بل ومن أجل الأجيال القادمة أيضا”.
وأعرب بومبيو عن أمله في استمرار السلام مع أفغانستان، وحث الطرفين على اتخاذ قرارات تبعد أفغانستان عن الفساد وتحقق الازدهار، وأكد أن المفاوضات الشاملة فرصة لتجاوز الانقسامات وتحقيق سلام دائم.
وأشار إلى أن العالم بأسره يعتمد على هذه المفاوضات، وأنه يحق للأفغانيين اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، كما أكد أن الولايات المتحدة لن تنسى يوم التاسع من سبتمبر والهجمات التي تعرضت لها مدنها، وأن واشنطن لن تنسى كل من وقف إلى جانبها للوصول إلى هذا اليوم.
وتعقد المحادثات في غرفة اجتماعات كبيرة في فندق ضخم تم توزيع المقاعد فيه على مسافات متباعدة اجتماعيا في مقابل لافتة كتب عليها “مفاوضات سلام أفغانستان” بأربع لغات.
وبدأ المندوبون في الوصول منذ الفجر إلى الموقع الذي استضاف توقيع اتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان في فبراير، مما مهد الطريق للمحادثات.
سلام شامل
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ضغط باتجاه سحب القوات الاميركية وإنهاء أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة بدأت قبل ما يقرب من 20 عاما عندما غزت واشنطن أفغانستان.
وقد يستغرق التوصّل إلى اتفاق سلام شامل سنوات، وسيعتمد ذلك على استعداد كلا الجانبين لإيجاد مقاربة مشتركة لطريقة الحكم في بلدهما.
وستسعى حركة طالبان التي رفضت الاعتراف بحكومة الرئيس أشرف غني إلى إعادة بناء أفغانستان لتصبح “إمارة” إسلامية، بينما ستعمل إدارة غني على الحفاظ على الوضع الراهن المدعوم من الغرب لجمهورية دستورية كرّست العديد من الحقوق بما في ذلك مزيد من الحريات للمرأة.
ودعا برادر المجتمعين إلى أن تكون أفغانستان بلدا مستقلا بنظام اسلامي في حال التوصل لاتفاق. وقال أمام المجتمعين في الدوحة “أريد من الجميع أن يعتمدوا الاسلام في مفاوضاتهم واتفاقاتهم وألا يضحوا بالاسلام من أجل مصالح شخصية”.
وأضاف “نريد أن تكون أفغانستان بلدا مستقلا ومزدهرا واسلاميا” وأن “تتضمن نظاما اسلاميا يعيش في ظله الجميع بدون تفرقة”.
في هذا الوقت، تتواصل أعمال العنف اليومية في البلد الغارق في الحرب، وقال عبيد الله (50 عاما) وهو من سكان كابول “كانت لحيتي سوداء عندما بدأت الحرب، الآن أصبحت بيضاء وما زلنا في حالة حرب”.
وأضاف الموظف المتقاعد “لا أعتقد أن الحرب ستنتهي قريبا، فأنا أشكك بشأن المحادثات لأن الجانبين يريدان تنفيذ أجندتهما الكاملة”.
حفظ الحقوق
يخشى كثير من الأفغان أن تؤدي عودة طالبان للسلطة بشكل جزئي أو كامل إلى إعادة ترسيخ الشريعة الإسلامية.
من جانبه، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عبر الفيديو، إنه يجب ضمان مشاركة النساء في العديد من الأدوار” خلال محادثات السلام.
ودعت هيومن رايتس ووتش جميع المشاركين في المحادثات إلى التعهد بدعم الحقوق الأساسية وهم يقرّرون مستقبل البلاد.
واعتبرت في بيان أنّ “جميع المشاركين في أي حكومة أفغانية مستقبلية يجب أن يلتزموا بالمؤسسات والعمليات التي تدعم حقوق المرأة والصحافة الحرة، وإنهاء التعذيب في الحجز، وضمان العدالة للمنتهكة حقوقهم”.
مرحلة مبهمة
وقادت قطر بهدوء جهود الوساطة التي تعقّدت بسبب أعمال العنف في أفغانستان وأزمة فيروس كورونا المستجد، حيث أكد كبير مفاوضي الدوحة مطلق القحطاني الخميس على “قوة الدبلوماسية”.
وكانت قطر دعت حركة طالبان لفتح مكتب سياسي في الدوحة عام 2013 وساعدت في التوسط في اتفاق شباط لسحب القوات بين واشنطن والحركة.
وأدى هذا الأمر إلى توتر بعدما رفعت طالبان علمها في مكتبها مما أثار الغضب في كابول، وحُمل علمان وطنيان أفغانيان إلى فندق الدوحة الفاخر الذي يستضيف المحادثات، فيما اصطف عناصر طالبان إلى جانب وسائل الإعلام ومتعهدي تقديم الطعام لإجراء اختبارات فيروس كورونا قبل المحادثات.
وحتى لو توصلت طالبان والحكومة الأفغانية إلى اتفاق في نهاية المطاف، فإن المرحلة المقبلة تبقى مبهمة.
وأكّدت الولايات المتحدة أن مستقبل أفغانستان أصبح الآن في أيدي الأفغان واعتبرت أنه إذا انهارت عملية السلام ووقعت حرب أهلية فهذه مسؤوليتهم.
وقالت كريستين فير الخبيرة في شؤون جنوب آسيا من جامعة جورجتاون “لنكن واضحين: هذا ليس تفاوضا بشأن السلام. هذا يتعلق بخروج الولايات المتحدة” من البلاد.