ما أن اندلعت الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح وتحسين الوضع السياسي والعام للبلد، ووقوع ضحايا من المتظاهرين، حتى أصدر اتحاد الأدباء بيانا قرر فيه تعليق نشاطاته الثقافية هو وفروعه في المحافظات، وقررت قيادات الاتحاد، نصب خيمة في التحرير والانضمام الى المتظاهرين السلميين. فكانت مشاركة الأدباء العراقيين، في التظاهرات، بوصفهم مواطنين مثلهم مثل الشرائح الأخر، وليس بوصفهم مثقفين، حيث لم يمارس أحد من المثقفين، الأدوار المفترضة للمثقف، بل كانوا جزءا من الحركة الاحتجاجية مثلهم مثل الآخرين. فهنا المثقف، مارس وظيفة يمكن لأي فرد في المجتمع ممارستها، وهي التظاهر والمرابطة في ساحات الاعتصام. وظيفة المثقف، تتجاوز هذا الأمر إلى اتخاذ موقف متفرد، يميزه عن غيره، موقف يحسب له، بوصفه مثقفا، يمتلك من الأدوات ما تجعله يسير في طريق يختلف عن الطريق الذي يسلكه الآخرون. يرى إدوارد سعيد في محاضراته عن المثقف والتي ترجمت الى العربية ثلاث مرات: إن المثقف يمثل الضمير الأخلاقي للمجتمع، وهو يرفض الانصياع لأية جماعة أو أيديولوجيا أو حزب او مبدأ. فكيف بالمثقف اليوم، ينصهر داخل تجمع بشري كبير، له ما له وعليه ما عليه، من دون أن يبرز ويعتلي الصدارة من خلال توجيه الجماهير، وحثها على إبراز الإيجابيات التي يتحلى بها المجتمع والابتعاد عن السلبيات. هل يمكن للمثقف أن يبقى مجرد متظاهر؟ لماذا تخلى المثقف عن دوره لصالح مدونين ومجهولين يقبعون خلف الكيبورد ويملكون ما لا يملكه المثقف، من قدرة وإمكانية على تحريك الشارع المنتفض؟ وفي الفترة الأخيرة، قرر الاتحاد أن يستأنف نشاطاته الثقافية، بما يتناسب مع المرحلة الحالية، ذلك أن الثقافة ليست ترفا، ولا يمكن ركنها في ظل هذه الظروف، بل هي ضرورة ولابد منها، خصوصا وإن الصوت العقلاني، لابد أن يجد له مكانا وسط الأصوات النشاز التي تسعى للفتك بالوطن والمواطنين، وتريد أن تظهر وجها مشوها للتظاهرات، وهذا يتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تكاد ان تهيمن على الشارع. فلابد للمثقف سواء كان من داخل الاتحاد أو من خارجه، أن يسعى لاستعادة دوره المفقود، سواء بالنشاطات الفردية أو الجماعية. وحسنا فعل المكتب التنفيذي لاتحاد الأدباء حين، قرر وبإجماع الأصوات أن نذهب للساحات ندون هذه اللحظات حفاظا على ذاكرة شعب يحب الحياة الحرة الكريمة، مع بقاء رمزي لفعالية الاتحاد الرئيسة التي تقام منتصف النهار في كل أربعاء. كما إن صفحات الكثير من الأدباء والمثقفين، تعج ببوستات وقصائد موجهة للمتظاهرين، داعمة ومؤيدة لهم. كما إن فرع اتحاد الأدباء في بابل، قرر مؤخرا جمع نصوص وقصائد لانتفاضة تشرين، تتغنى بالانتفاضة والمنتفضين والمتظاهرين، وتم توزيع المجموعة داخل ساحات التظاهر والاعتصام. فكان الشعر، صاحب موقف، في التظاهرات، وكان السلاح الأبرز للمثقف، في دعم وتأييد المتظاهرين. ولكن: هل يمكن للأديب والمثقف، أن يوصل صوته وسط ضجيج الأصوات؟ هل يمكن أن يمتلك المثقف في يوم ما ما يمتلكه الدون في مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل إن الشعر كاف لإيصال صوت المثقف؟ ألا يمكن استعمال طرائق جديدة ومختلفة، تكون أقرب إلى المتلقي؟ إن الثقافة ضرورة حتى في زمن الاضطرابات والفوضى، فهي المنفذ الوحيد لبروز الأصوات العقلانية المنادية بالسلم واللجوء الى القانون، فالمثقف، وجوده مرتبط بوظيفته، ووظيفته هي قول ما يفترض قوله، والانحياز للأفكار والتصورات التي تقف الى جانب المجتمع، وتقف بالضد من السلطة حينما تكون بمواجهة المجتمع.
سلام مكي