لعل مطلب تعديل الدستور، أهم مطالب المتظاهرين والمعتصمين. فبرغم تضمن الدستور العديد من المبادئ والحقوق والحريات، اضافة الى تضمنه الكثير من مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان، لكن ثمة ثغرات ومشكلات كثيرة وكبيرة، تمس جوهر تلك المبادئ، وتجعل منها صورة مشوهة بحيث أن تلك الحقوق تتحول الى نقمة وليست نعمة. فكان تعديل الدستور من أهم مطالب المعتصمين والمتظاهرين، فهو السبيل الى الخلاص من كثير من المشكلات التي تواجه العملية السياسية. الدستور العراقي، الذي شرع في ظروف استثنائية، وخاصة وبشكل مستعجل، لا مبرر له، قد وضع آلية معينة لتعديله، وتلك الآلية أشبه ما تكون بالمستحيلة، من حيث الواقع ومن حيث الإجراءات القانونية والدستورية. الدستور ليس مقدسا وبرغم سموه وعلوه على القوانين، وضرورة منحه قيمته الاعتبارية، لكن لا يعني هذا جعله من الدساتير الجامدة، فالدستور يدور وجودا وعدما مع مصلحة الأفراد، ولما كانت مصلحة الأفراد تقتضي أن يعدل الدستور لابد من تعديله، وعلى وفق سياقات بسيطة وممكنة، لا أن توضع له سياقات معقدة وأشبه بالمستحيلة، برغم وجود حاجة فعلية وحقيقية للتعديل. الدستور وبعد إقراره في عام 2005 وبمرور السنين، اكتشف أن العديد من نصوصه لا تلائم الحالة العراقية، وأن هنالك ثغرات وإشكاليات في نصوصه، تستوجب تعديلها، من حيث نصه على عدد من المؤسسات الرسمية التي تبين عدم وجود حاجة فعلية لها، كمجالس المحافظات وطريقة تشكيلها وانتخاب أعضائها. تلك المجالس التي كانت أحد أهم أسباب خروج المتظاهرين كانت سببا لهدر المال العام، عبر تخصيص مبالغ مالية كبيرة لأعضاء تلك المجالس كرواتب ومخصصات ونثريات، من دون وجود خدمة حقيقية تقدمها تلك المجالس للناس، إضافة الى وجود كثير من حالات الفساد والابتزاز التي مورست من قبل بعض تلك المجالس، مما أستدعى من الناس المطالبة بإلغائها. ولكون أن الدستور نص على تلك المجالس، فكان لابد من تعديل للدستور يلغي وجود تلك المجالس، وينص على بديل لها.
التعديل الآخر المهم، هو طريقة انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والمحافظين. فتلك المناصب، لأهميتها وقربها من الشعب، لابد أن يتم اختيارها من قبل الشعب مباشرة، حيث ان الدستور الحالي ينص على ان ينتخب البرلمان رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وينتخب مجلس المحافظة المحافظ. وهذه الطريقة لا تلبي طموح الناس، ولا توصل المسؤولين الحقيقيين الذين يمكن أن يكونوا عونا للشعب، وبالتالي، يمكن محاسبتهم من قبل الشعب وبشكل مباشر. إن تعديل الدستور عبر الطريقة الحالية التي لا يمكن معها تعديل أي نص دستوري مهما كانت الرغبة موجودة لدى الكتل السياسية وحتى عند الشعب. فالمادة 124 من الدستور نصت على تشكيل لجنة من أعضاء المجلس تتولى تقديم تقرير الى المجلس يتضمن توصية بالتعديلات التي يجب اجراؤها على الدستور ومن ثم تعرض تلك التوصيات على المجلس للتصويت عليها وبعدها يتم الاستفتاء عليها ويعد الاستفتاء ناجحا في حالة موافقة أغلبية المصوتين أو في حالة لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر. ففي حالة عدم موافقة ثلثي ناخبي ثلاث محافظات، وموافقة بقية المحافظات جميعها لا يمكن تعديل الدستور أبدا.
سلام مكي