الصراع على كرسي الإدارة الأميركية بدأ مبكرا
الصباح الجديد – متابعة:
نشر المركز العربي للبحوث والدراسات، قراءة للتجاذبات الحادة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة الأميركية وتوقعات مستقبلية بشأن الانتخابات المقبلة للباحث محمود جمال عبد العال تحت عنوان
محاولات عزل ترامب .. الأسباب، الإجراءات، والسيناريوهات المتوقعة
جاء فيها:
أثارت المسألة الأوكرانية التي برزت مؤخرًا بعد المكالمة التي تتبعتها أجهزة الأمن القومي الأميركية وتسربت للصحف بين الرئيسين “دونالد ترامب”، والأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” أزمة كبيرة في دوائر صنع القرار داخل الحزب الديمقراطي خاصة بعد سعي “ترامب” لعرقلة مرشح الحزب الأوفر حظًا “جون بايدن” في انتخابات 2020. واتهمت زعيمة الديمقراطيين ورئيسة مجلس النواب “نانسي بيلوسي” ترامب بتوظيف المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن لأوكرانيا والتي تصل قيمتها إلى 700 مليون دولار كورقة ضغط للتأثير على انتخابات 2020 الرئاسية بعد طلبه من “زيلينسكي” بفتح قضايا فساد نجل “بايدن” مما قد يُعطله في الانتخابات القادمة، ويتيح الفرصة لحملة ترامب لمواجهة بايدن عبر هذا الملف.
الأزمة وتطوراتها
يرفض الجمهوريون الاتهامات التي يوجهها الديمقراطيون للرئيس ترامب، ويرفض ترامب هذه الاتهامات معدًا أن محادثته مع نظيره الأوكراني تُبرز أن حديثهما عن فساد بايدن ونجله لم يكن بمقابل. واستند الديمقراطيون على الاتهام الموجه للرئيس ترامب على تسريبات صحفية قبل أن يتوصلوا إلى النص المكتوب للمحادثة. وأطلقت “بيلوسي” اتهامات للرئيس ترامب تصل إلى خيانة يمين منصبه وأمنه القومي بعد طلبه من الرئيس الأوكراني مساعدته في تحجيم خصومه قُبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 2020. وشبه “آدم شيف” عضو الكونجرس عن الحزب الديمقراطي الذي يرأس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب برئيس المافيا. من ناحيةٍ أخرى، رفض الجمهوريون اتهامات الحزب الديمقراطي للرئيس معتبرين أنها مراهقة سياسية من الحزب (1).
وبرغم أنه ما يزال هناك عام على موعد إجراء انتخابات الرئاسة الأميركية إلا أن الصراعات بين المرشحين قد بدأت مبكرًا، ما يتأكد مع جهود ترامب لعرقلة مسيرة بايدن لكسب ثقة أعضاء الحزب الديمقراطي. وقد ظهرت أزمة عزل ترامب مبكرًا خلال فترته الرئاسية الأولى؛ حيث أشارت تقارير استخباراتية بوجود تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية 2016 بهدف دعم “ترامب” وقتها ما دفع بالكونجرس للتحقيق. ورفض البيت الأبيض المذكرة المنشورة حول نص مكالمة ترامب والرئيس الأوكراني معتبرًا أن المذكرة ليست نصًا حرفيًا، ولكنها عبارة عن خلاصة من الملاحظات المكتوبة التي لا يُمكن ان تعكس النوايا او المشاعر الحقيقية للرئيس ترامب في الموضوعات محل النقاش، وهو ما دعاه للتشكيك في نزاهتها استنادًا على عددٍ من العوامل أهمها ضعف الاتصالات السلكية واللاسلكية، والتغيرات في اللهجة والتفسير. تجدر الإشارة إلى أن مكالمات الرئيس الأميركي مراقبة ومسجلة بشكلٍ تام، حيث يقوم جهاز متخصص بتحويل المكالمات الصوتية إلى نصوص(2).
يتهم الديمقراطيون “ترامب” بإهدار أموال الضرائب التي يدفعها الأمريكيون لتحقيق مكاسب شخصية في الانتخابات القادمة من خلال إجبار الجانب الأوكراني على فتح قضايا الفساد الخاصة بنجل بايدن. وعد الخبراء القانونيون أنها تُمثل حالة من الفساد خاصة بعد ظهور أنباء من داخل البيت الأبيض تفيد بحجب مئات الملايين من الدولارات كمساعدات لأوكرانيا قبل المكالمة الهاتفية التي جمعت ترامب وزيلينسكي في 25 يوليو/تموز 2019، وهو ما عدوه ورقة ضغط لشراء مواقف الرئيس الأوكراني.
عملية العزل
تمر عملية عزل الرئيس في الولايات المتحدة الأميركية بمرحلتين أساسيتين هما مرحلة مجلس النواب والتي تتطلب في المرحلة الأولى الموافقة بالأغلبية البسيطة، وموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ في المرحلة الثانية. وسنتناول مراحل هذه العملية..
- مرحلة مجلس النواب:
يقوم مجلس النواب في المرحلة الأولى بإجراء تحقيقات وجلسات استماع للتأكد من جدية الاتهام والتحقق من توافر الأدلة المطلوبة لعرض عملية العزل للتصويت داخل مجلس النواب. وقد تضمن الدستور الامريكي ثلاث حالات تستوجب العزل وهي؛ الخيانة، وقبول الرشاوى، وارتكاب الجرائم الخطرة التي تمثل مخالفة سلوكية. وبعد التأكد من الاتهام يتم إحالة الأمر للتصويت(3). وتتطلب الإدانة موافقة الأغلبية البسيطة (50%+1)، وبعدها يتم الانتقال للمرحلة الثانية من العزل (مجلس الشيوخ). وقالت رئيسة مجلس النواب بيلوسي، إن «تصرفات الرئيس واضحة بشكل مقنع وهذا لا يمنحنا أي خيار سوى المضي قدمًا»، وعدت «بيلوسي» أن المسألة تتعلق بالأمن القومي الأمريكي خاصة ما يرتبط بسلامة الانتخابات ونزاهتها. تجدر الإشارة إلى ان الحزب الديمقراطي يمتلك الأغلبية داخل مجلس النواب ما سيُسهل المرحلة الأولى من عملية العزل. - مرحلة مجلس الشيوخ:
تجري هذه المرحلة داخل مجلس الشيوخ، ويقوم من خلالها المجلس بإجراء محاكمة رسمية للرئيس، ويقوم أعضاء المجلس بدور هيئة المحلفين بإشراف من رئيس قضاة المحكمة الدستورية العليا. وتتطلب هذه المرحلة موافقة ثلثي أعضاء المجلس على صحة الاتهامات الموجهة للرئيس، وفي حالة عدم موافقة الثلثين على صحة الاتهامات الموجهة للرئيس، ومن ثم يستمر الرئيس في موقعه وكأن شيئًا لم يحدث. وتُنظم الفقرة الثالثة للدستور هذه العملية؛ إذ تنص هذه الفقرة على: «لمجلس الشيوخ وحده سلطة إجراء محاكمة في جميع تهم المسؤولين. وعندما ينعقد مجلس الشيوخ لذلك الغرض، يقسم جميع أعضائه باليمين أو بالإقرار. وعندما تتم محاكمة رئيس الولايات المتحدة، يرأس رئيس القضاة الجلسات، ولا يجوز إدانة أي شخص من دون موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين». وبالتشكيل الحالي، يتطلب الأمر موافقة 20 عضوًا من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين على إدانة ترامب، وذلك كله على افتراض تصويت كل الديمقراطيين على قرار الاتهام(4).
السيناريوهات المحتملة
من المتوقع أن تتوصل لجان مجلس النواب التي ستمثلها الأغلبية الديمقراطية إلى إدانة الرئيس ترامب فيما يتعلق بتوظيف المساعدات الخارجية لتحقيق أهداف حزبية وطموحات شخصية. وفي كل الأحوال لا يُمكن أن تخرج عملية العزل من أحد السيناريوهات التالية: - السيناريو الأول (المرجح): يتلخص هذا السيناريو في فشل الأغلبية الديمقراطية في الحصول على موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ على قائمة الاتهام، وهو ما سيؤدي إلى بقاء ترامب في منصبه. ويتضمن هذا السيناريو نجاح الأغلبية الديمقراطية في إنجاح المرحلة الأولى فقط من عملية العزل. وهو السيناريو المرجح والأقرب.
- السيناريو الثاني: ويتلخص في موافقة مجلس النواب على لائحة الاتهام، وتقديم «ترامب» استقالته وعدم انتظار إحالة المسألة إلى مجلس الشيوخ لاستكمال الإجراءات. ويُمكن استبعاد هذا السيناريو لاعتبارات تتعلق بالشخصية العنيدة التي يبدو عليها ترامب نفسه، حيث يعتبر نفسه غير مخطئ وأن هناك مؤامرات من الدولة العميقة تُحاك ضده، ومن الشجاعة مواجهتها فضلًا عن اتكائه على أغلبية حزبه داخل مجلس الشيوخ. وهو مستبعد نوعاً ما.
- السيناريو الثالث: يقوم على نجاح الأغلبية الديمقراطية في إنجاح عملية العزل في مرحلتها الأولى، وإحالة المسألة إلى مجلس الشيوخ الذي يُمكن أن يوافق بأغلبية الثلثين على لائحة الاتهامات المقدمة من اللجنة القضائية بمجلس النواب. ويُمكن استبعاد هذا السيناريو لأسباب تتصل بالأغلبية التي يمتلكها حزب الرئيس (الحزب الجمهوري) داخل مجلس الشيوخ بعكس مجلس النواب الذي يُسيطر عليه الديمقراطيون. وربما حظوظ هذا السيناريو ليست قوية.
ختامًا؛ تعكس جهود ترامب لإضعاف موقف بايدن في الانتخابات الرئاسية القادمة عن الحظوظ التي يتمتع بها الرجل في أوساط الديمقراطيين، وهو ما قد ينعكس سلبًا على جدية الانتخابات الداخلية للحزب الديمقراطي باعتبار ان كفتها تميل أساسًا لصالح بايدن.
المركز العربي للبحوث والدراسات