ابراهيم سبتي
هل يوسف النجار هو انا ام انت ام نحن ام كلنا؟ هل هو لسان حالنا؟ ننطلق مع يوسف النجار بطل رواية « الذئاب على الابواب « للسارد الكبير احمد خلف . ونسير معه خطوة بخطوة. انه المطارد المراقب المهزوم في دواخله لا يستطيع فعل شيء علني مخافة ان يرصد ويقضى عليه. هو المطارد من كل الجهات وكل الاعداء حتى دفعت زوجته وابنته فاتورة هذا الخوف والتردد . الموت هنا ، فعل تعويضي عن كل ما حاول يوسف ان يتجنبه في ملاقاته لمصيره لكن الرجل ظل هاربا متواريا احيانا الا من بعض الافعال التي تحسب له على انه يريد المواجهة وانه يمكن ان يكون مستعدا لها . في زحمة الاحداث التي ينقلنا اليها الروائي احمد خلف ، نجد ان الامل يلوح في الافق وقبل ان ينهار يوسف نفسيا ويقضى عليه ، ثمة من ينقذه او يخرجه من مأزقه الصعب ، ام اكرم وعبير . كل واحدة تعمل بطريقتها على انقاذ الرجل ولو بطريقة مختلفة . فيتماشى مع كل منهما على وفق ما تريد . وهكذا يشعر بانه مثل البشر الاخرين الذين تخفق قلوبهم امام من يحبون . ف « عبير « هي البديل المثير عن ماضيه العصيب وهكذا يكون هذا الفعل ، هو منقذ مؤقت لنسيان ميتة الزوجة والبنت في الانفجار بعبوة ناسفة في بيتهما . ولكن الحدث الابرز هو البحث عن مفتاح لهذا المأزق . فعلى طول الرواية نجد ان السرد المحمل بجمل مكثفة غاصّة بالمعنى والاستدلال ، خلق لنا رواية مبهرة والتي ساحت تفاصيلها مع بوادر حرب الثمانينيات مرورا بحرب بوش الاولى وحرب الخليج الثانية ومن ثم الاحتلال الامريكي مرورا بالذئاب الذين برزوا في الاقتتال الطائفي وما بعده . انها خارطة للوجع العراقي والمحنة التي لا بد ليوسف النجار ان يتخلص منها حتى ولو كان الثمن هو مغادرة البلاد . لكن يوسف كان قويا بعكس ما رايناه في شخصيته المكتوبة داخل السرد، كان قويا لحد التحدي الذي بدا ينمو بداخله ليواجه من يراقبه ويريد الفتك به . هذا التحول في الشخصية لم يكن صدفة ، بل جاء بتتابع ومراحل متدرجة . فهو الشاهد على الحروب والمآسي وهو الشاهد على قتل عائلته بانفجار مرعب في بيته . وهو الشاهد على ما آلت اليه البلاد . اذن عليه ان ينزع ثوب التردد والتخفي والاختباء ، الى عالم البقاء الذي عليه ان يعلن انه يستطيع مواجهته وهكذا فعل . ( انا اعرف هذا النوع من البشر واي افكار جهنمية يحملونها تجاه من يكرهونهم ، ولو عرفت لماذا يحملون كل هذا الحقد عليّ لهان كل شيء ولكن ليس صحيحا اهمال الامر ابدا ، ينبغي لي الحسم وبلا تردد ..) .
في كل الاحوال نجد ان السرد يحيلنا الى دواخل يوسف النفسية التي تمور داخلها صراعات عديدة كلها تعكس الاحداث ووجعها التي مرت بالعراق منذ بداية الثمانينات وحتى اليوم . احداث صعبة وشاقة فتكت بالشباب وكثّرت الارامل حتى وصل القتل الى البيوت في نزاع طائفي مرير وهو نتاج الاحتلال الذي لم يجلب للبلد سوى الموت والخراب والدمار والتفكير الجاد بالهجرة والابتعاد . ان يوسف النجار هو نموذج للعراقي الذي لم يرض لنفسه القعود والقيود سيما انه كان مستهدفا من الذئاب الذين يقتلون بلا انسانية وبدم بارد حتى وصلوا الى عقر داره قاتلين له زوجته وابنته . في حال يوسف ينبغي ان يتخذ موقفا صارما في حياته فاما الموت بقتله برصاصة وبدم بارد ، او هجرته والابتعاد عبر البحار التي قتلت من قتلت ووصل من وصل الى جرف الحرية منهم . لكنه اعتمد سياسة وتفكير تنم عن وطنيته وتمسكه ببلده الذي عايش احداثه ورآى ما رآى من مشاهدات مفرحة ومحزنة احتلت ذاكرته وظلت معششة فيها . كان يتمسك بلمحة الامل التي اقتحمت حياة عزلته حين ظلت عبير تزوره في شقته واحيانا بصورة مفاجئة دون اتصال هاتفي ( لا يدري لماذا خطرت في راسه صورة عبير وهو يقف امام المرأة جارته ، ام اكرم ، ترى هل حقا اسمها ام اكرم ؟ وتذكر ان عبير لم تأت لزيارته منذ اكثر من سبعة ايام تقريبا ، وانها حتما ستاتي كعادتها على حين فجأة ويقول لها متسائلا : لماذا لا تستخدمين الهاتف النقال قبل المجيء الى هنا ؟ ستقول له ضاحكة : اردت ان افاجئك ، الا تحب المفاجآت ؟ ) ص 230 .
يأخذنا السرد في الرواية الى تصارع القوى واحابيل السياسة لنكتشف بان يوسف النجار لا يستطيع اخبار السلطات عن موت زوجته وابنته لانه يرى انهم سوف لن يبالوا بالامر وانهم سيسألونه عن الجهة التي قامت بالقتل و لا يستطيع ان يخبرهم وهو امر محير ، لكن الكاتب اوصلنا الى فكرة ان يوسف ليس ضعيفا او انه لا يستطيع الوصول الى الجناة ، انما اراد القول بانه لا يمكن ان ينسى ما حدث له وبالتالي سيكون امام الخيار الاصعب وهو التحدي والمواجهة . رواية ( الذئاب على الابواب ) للروائي احمد خلف ، هي رواية المآسي واليأس المغلف برائحة امل ولو شحيحة ، لكنها تمنحنا انفاسا من التشويق ونحن نتابع صفحاتها بشغف و نبحر في عوالم الجمال الذي صنعه لنا الروائي وخلق اجواء الابهار بين السطور رغم العتمة التي كانت تحوم حولنا . الذئاب على الابواب طبعت في دار النخبة المصرية