لا قيمة قانونية للنص القانوني، إذا لم يقترن بجزاء لمن يخالف ذلك النص، مهما كانت طبيعة ذلك الجزاء، سواء يخص الحرية او الجانب المالي او اي شكل آخر.. قانون الموازنة مثلا، وضع نصوصا يخيل للمتابع غير المختص انها نصوص حقيقية، بمعنى انها تحقق الهدف التي شرعت من أجله، لكن حين تتم قراءة تلك النصوص قراءة فاحصة، نجد أنها لا تمثل سوى ديكور خال من المضمون، ولا قيمة قانونية له اصلا.. نلاحظ مثلا ان أغلب مواد القانون تبدأ بعبارة: على.. ومثال ذلك نص الفقرة ثانيا من المادة 15 التي بدأت بعبارة: على هيئة الاعلام والاتصالات إلزام شركات الهاتف النقال بتسديد ما عليها من مبالغ وغرامات والتزامات مالية خلال النصف الأول من عام 2019 وتسجل ايرادا للدولة.. وها قد انتهى النصف الأول، ولم نسمع الى اليوم، أن الهيئة المذكورة، قامت بواجبها في إلزام شركات الهاتف النقال. الفقرة ثالثا من المادة نفسها ألزمت وزارة الاتصالات وهيئة الاعلام بإيقاف الطيف الترددي لشركات الهاتف النقال وشركات تجهيز الانت بعد مرور ستين يوما على عدم تسديد ضريبة المبيعات وضريبة الدخل الى الهيئة العامة للضرائب.. وبرغم ان الفقرة ثالثا لا علاقة لها بالفقرة ثانيا، حيث ان ضريبتي الدخل والمبيعات هي حق قانوني للدولة ولا علاقة لها بالمبالغ الأخرى والغرامات التي تفرض بسبب مخالفة القانون، وحيث ان القانون لم يضع جزاءً لمن يخالف نص الفقرة اولا من شركات الهاتف النقال، ولكنه وضع جزاءً لمن يمتنع عن تسديد الضرائب. ولكن: ماذا لو لم تقم وزارة الاتصالات وهيئة الاعلام بإيقاف الطيف الترددي لشركات الهاتف النقال؟ وهو ما يحدث فعلا، اذ ان الكثير من التقارير الاعلامية تؤكد مديونية تلك الشركات الى الدولة وبمبالغ طائلة من دون ان تتخذ الوزارة أي إجراء جدي لوقف تلك التجاوزات. هذا النص القانوني مثال بسيط على عدم قدرة النص القانوني على معالجة حالة محتملة الحدوث بل موجودة فعلا، ذلك انها افتقرت الى اهم عنصر من عناصر النص القانوني وهو الجزاء.. فهي كمن عدّت القتل جريمة، لكنها لم تضع عقوبة لمن يقتل شخصا آخر.. وليس هذه المادة فقط، بل إن جميع نصوص القانون، على شاكلتها، من حيث فقدان العنصر الأهم للقاعدة القانونية وهو عنصر الالزام، حيث ان أغلب مؤسسات الدولة لا تطبق قانون الموازنة، لأسباب كثيرة منها الفساد والرشى التي تقدم من قبل بعض جهات القطاع الخاص مقابل عدم فرض عقوبات مالية عليها او مطالبتها بتحسين خدماتها او إلزامها بتأدية ما عليها من حقوق لصالح الدولة.. أرى إن صناعة قانون ناضج يجب أن يتم من قبل مختصين ورجال دولة، ذلك أن التشريع فن ولا يمكن لأي شخص يستطيع ان يمارسه لمجرد أنه فاز بعضوية مجلس النواب، خصوصا وهو غير مختص بالقانون، أو لا يملك مؤهلا علميا حتى أو خريج إعدادية. فهذا العضو مهما كانت ملكته وقدرته لا يمكنه ان يشرع قانونا خطرا كقانون الموازنة.
سلام مكي