هذا ما تضمنه خطاب مرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي الخامنئي حول التصعيد الأخير في العلاقات بين أميركا وايران، والتي ولجت الى أطوارا خطرة بعد قرار الرئيس ترامب باعادة البارجة العملاقة وحاملة الطائرات النووية (يو اس اس ابراهام لينكولن) وما يرافقها من سفن حراسة الى منطقة الخليج. هذه العبارة ذات الشحنات اليقينية والقاطعة ستختبر في الأيام والاسابيع المقبلة، لا سيما وان قرار التطورات والاحداث اللاحقة والمتسارعة في المنطقة الأكثر اشتعالاً في العالم لن ينحصر بيد طهران بكل تأكيد، فهناك الكثير من الاطراف الاقليمية والدولية ستنخرط في هذا النزاع المحتدم وستلقي بظلالها عليه، مما ينذر بامكانية حصول تطورات قد تدفع بالاحداث باتجاه شق مسارات غير محسوبة من قبل الطرفين. وفي هذه المعركة غير المتكافئة بينهما لا يحتاج المراقب الحصيف الى كثير من الجهد كي يكتشف الخاسر والمتضرر الاكبر فيها، عندها لا يستبعد ان نشهد تجلياً معكوساً لهذه العبارة أي حدوث (حرب ومفاوضات).
ليس هناك أدنى شك من حجم الاضرار التي الحقتها سياسة الادارة الاميركية الجديدة، في الأشهر الأخيرة بعصب الحياة في ايران (الاقتصاد)، وهي اضرار ستزداد حدة مع استمرار هذه السياسة وستترك آثاراً وخيمة على حاضر ومستقبل هذا البلد، مما يدعو بشدة الى نبذ السبل التقليدية والاستعراضية العقيمة في التعاطي مع مثل هذه المخاطر والتحديات التي تتعاظم وتتسارع بشكل يهدد لا مصالح الجارة ايران وحسب بل مصالح أمن وأستقرار المنطقة برمتها. ان اصرار القيادة الايرانية على مواصلة ذات النهج الذي تبلور زمن الثورة (قبل اربعين عاماً) والتمترس خلف شعارات (الموت لاميركا) و (لا شرقية ولا غربية) وغير ذلك من مناخات نهاية السبيعينيات ومتطلبات “الحرب الباردة بين الشرق والغرب” يهدد بحصول ما لا تحمد عقباه، وحينها لا ينفع الندم أو كما قيل قديماً (الحرب أولها نجوى واوسطها شكوى وآخرها بلوى) وحرب جديدة حتى ولو خطط لها ان تكون محدودة؛ هي آخر ما تحتاجه منطقة دفعتها الحروب والمغامرات والنزاعات المستعصية الى حافات الحضيض.
لا يختلف العقلاء على الشق الاول من عبارة مرشد الجمهورية الاسلامية (لا حرب) والتي ترددت ايضا على لسان الرئيس ترامب وأقرب معاونيه، لكن من الصعب الاتفاق على ما جاء من رفض قاطع للمفاوضات، لأن ذلك يعني الرضوخ لما ينخر أمن المنطقة واستقرارها وازدهارها أي حالة (اللا حرب واللا سلم) والتي كلفتنا الكثير من الهدر والاستنزاف على شتى الاصعدة، وايران نفسها عرفت مثل هذا المشوار الذي انعكس بشكل وخيم على حياة وآمال وتطلعات شعوبها في العيش الحر والكريم. ان الاصرار على الاستمرار في التعامل مع الولايات المتحدة الاميركية بوصفها الشيطان الأكبر وغير ذلك من التسميات ذات الصبغة الدينية، وجر الشعوب الايرانية وباقي الشعوب المتجحفلة معها بمذاهب مشتركة، للانخراط بجيل جديد من “الحروب المقدسة” لا يفضي لغير المزيد من الكوارث والاهوال وهذا ما خبرناه جيداً في العراق معقل القادسيات والرسائل الخالدة و “عاشت فلسطين حرة أبية”…؟! لقد عشت في ايران مدة طويلة اطلعت خلالها بقدر جيد على طبيعة المجتمعات الايرانية وقدرات شعوبها (افرادا وجماعات) الخلاقة في شتى مجالات الابداع والانتاج والتنظيم، وهم يستحقون فصلاً جديدا من الامن والسلام والتعايش مع البلدان والشعوب الاخرى، وذلك لن يأتي الا بفتح صفحة جديدة من الحوار والمفاوضات والمزيد من المفاوضات الكفيلة بانتشالنا من هلوسات الحقب الغابرة..
جمال جصاني