وفقا لمعطيات البؤس الذي نتخبط وسطه، لا نهاية قريبة لمسلسل الفزعات الفاشوشية على تضاريس هذا الوطن المنكوب بالاستعراضات والمزاودات الخاوية وحفلات التهريج، التي تناولت مؤخراً ما عرف بمشروع التعديل الاخير لقانون الجنسية العراقي لعام 2006، حيث تصاعدت مشاعر الغضب والاستياء لدى غير القليل من المخلوقات التي لم يعرف لها، ادنى موقف من كل ما جرى من انتهاكات وسحق لأبسط حقوق وخصائص البشر طوال أكثر من اربعة عقود من تاريخه الحديث؛ للدفاع عن الجنسية العراقية المهددة من طوابير “الاغراب” او كما يقول بعضهم الذي ادمن على اهانة واحتقار “الآخر المختلف” بـ “كل من هب ودب” وغير ذلك مما تتضمنه ترسانة الكراهة والاحقاد والثارات الصدئة. لست بصدد مناقشة ما جاء في هذا المشروع أو غيره من مشاريع للقوانين قدمت في هذه الدورة او غيرها من الدورات البرلمانية، فموقفي منها نابع من فهمي وادراكي للطبقة السياسية التي تقف خلف كل ما جرى لنا فيما يفترض انها مرحلة للعدالة الانتقالية، والتي لم نشهد منها سوى مسوخ للعدالة والانتقال.
جعجعة فارغة وخطابات لا حدود لصلافتها، تتحدث عما يحصل لهذه الوثيقة “الجنسية العراقية” من انتهاكات، من دون أن يشعروا بأي تأنيب للعقل أو الضمير عما جرى وما زال للأصل أي لمشروع (المواطن العراقي) الذي لم يولد بالرغم من مرور مئة عام تقريباً على ولادة العراق الحديث كدولة مستقلة. الاصل هو الانسان الذي جاءت المدونات والتشريعات الحديثة كي تنتصر به وله من دون تمييز على اساس “الهويات القاتلة” وهذا ما عبرت عنه مقولة الاب الروحي للدساتير الحديثة مونتسكيو (أنا انسان بالضرورة وفرنسي بمحض الصدفة). ان التحدي الذي يواجهنا بكل تاكيد لا علاقة له بما يشغل من قذفتهم الصدفة التاريخية لسنام السلطات، من مثل هذه الهموم والعنتريات الفارغة التي تنتفخ بين آونة واخرى، كي تشغل الناس وتجرفهم بعيدا عما ينبغي ان يواجهوه من تحديات ومسؤوليات واقعية.
الجنسية كوثيقة تعبر عن رابطة قانونية بين طرفين هما الدولة والمواطن، أي انها نتاج لطرفين لم يفلح سكان هذا الوطن القديم من شتى الرطانات والهلوسات والازياء من صنعهما وامتلاكهما، فلا وجود لدولة بالمعنى الحديث لهذا المفهوم وبالتالي لم نتمكن من التحول الى مواطنين لهم حقوقهم الدستورية والحضارية وعليهم واجباتهم تجاه الوطن وابناء جلدتهم من دون تمييز على اساس فضلات القرون الوسطى. هذا الخلل البنيوي والقيمي هو من اتاح للنظام المباد و”مجلس قيادة الثورة” المنحل من اصدار قراره المشين (666) لسنة 1980 والقاضي “باسقاط الجنسية العراقية عن كل عراقي من أصل أجنبي، اذا تبين عدم ولائه للوطن والشعب والأهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة..” ذلك القرار الذي مهد لارتكاب لا احدى أبشع جرائم التهجير بحق مئات الالوف من خيرة بنات وابناء شعبنا من شريحة الكورد الفيليين وحسب، بل الى اعتقال الآلاف منهم ومن ثم تصفيتهم بابشع الطرق، وكل جريمتهم انهم بعمر الشباب (18-40 عاماً) حيث ما زالت أماكن دفنهم مجهولة. مثل هذه المصائر والاحداث المأساوية يمر عليها حثالات البشر من دون ان تهتز خلية في ضمائرهم وجماجمهم الملوثة. كل هذا ونجد من يتجرأ وبكل صلافة وخسة للاساءة وعبر وسائل الاعلام المختلفة لهذه الشريحة التي تعرضت وفقا للتشريعات العراقية والدولية لجريمة ابادة الجنس (الجينوسايد) ليضعها بخانة “الاغراب”…!
جمال جصاني