رفض بناء مدن جديدة على حساب أراضي المسيحيين في سهل نينوى
نينوى ـ خدر خلات:
فيما رفض راعي أبرشية الموصل وكردستان العراق وكركوك للسريان الكاثوليك بناء اي مدن جديدة في منطقة سهل نينوى، عاداً الامر تغييرا ديموغرافيا للمنطقة و يؤثر على المسيحيين ووجودهم في العراق، قال الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك كلدان العراق، أن الغرب لا يحمي إلا مصالحه، وبأن ما يروّجونه في الاعلام عن الحرية والديمقراطية، مجرد شعارات، داعيا لإيجاد بدائل واقعية وممكنة، تعمل على معالجة كارثة الحاجة والفقر، وللحدّ من الهجرة المخيفة للمسيحيين من الشرق.
ورفض المطران مار يوحنا بطرس موشي راعي أبرشية الموصل وكردستان العراق وكركوك للسريان الكاثوليك بناء اي مدن جديدة في منطقة سهل نينوى واعتبر الامر تغييرا ديموغرافيا للمنطقة ويؤثر على المسيحيين ووجودهم في العراق، وجاء ذلك خلال رسالة خاصة بعث بها الى رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، واطلع على نسخة منها مراسل “الصباح الجديد”.
وجاء في الرسالة، “بلغنا من مصادر مطلعة أن في نية مديرية التخطيط العمراني في نينوى اطفاء مساحات واسعة من اراضينا الزراعية لإنشاء مدن جديدة، و نرجو من دولتكم الكريمة استدراك خطورة هذه الإجراءات والإسراع، قبل فوات الأوان، في إيقاف وإلغاء العمل بها لما تسببه لنا ولأبناء المنطقة على شتى مكوناتها من ارباك وقلق على مصيرنا ومستقبلنا”.
وأضاف المطران: “كلكم تدرون ماذا حل بنا نتيجة استحواذ داعش على مناطقنا، مسيحيين، وشبك شيعة، وتركمان، وكاكائية، وأيزيدية، حيث هجرنا من مناطقنا، واستحوذ على ممتلكاتنا، وقتل من وقع بين يديه من أبنائنا لمجرد وجود اختلاف بيننا وبينه في الرأي والمذهب والعقيدة، علما أنّ المنطقة، بل والعراق كله، ما تزال تعاني من خطر الفكر المتطرف، لذا نقول لكم، وبكل صراحة وبثقة الأبناء، إننا في غنى من خلق مدن جديدة وإسكان عناصر غريبة معنا وبيننا في مناطقنا”.
وقال ايضا: “إن كان الهدف من إنشاء هذه المدن تطوّر المنطقة وخلق المدنية الحديثة، فلتقم الدولة بتعمير مدننا، وتطوير مناطقنا، وإنشاء معامل ومنشآت فيها تخدم أبناء المنطقة، وتحافظ على وجودهم، وتحد من التفكير في الهجرة. علما أن إطفاء أراضي زراعية تقتات منها عائلاتنا هي، بالنسبة لنا، رسالة ودعوة إضافية لتهجير أبنائنا، ونحن على ثقة أنكم لا تؤيدون مثل هذه الإجراءات ولا تحبذونها”.
وتابع: “اما إن كان الهدف من إنشاء هذه المدن إيجاد سكن لإخوتنا المشردين حاليا والساكنين في الخيم، فهناك مناطق واسعة في غرب الموصل، شبه متروكة ومهملة، بوسع مديرية التخطيط التوجه إليها وإنشاء مثل هذه المدن فيها.. أما إن كان القصد إيجاد سكن لأبنائنا من عائلات الشهداء والجرحى، فالأجدر بهم إيجاد سكن لهم في مناطقهم بين أهلهم، وليس بعيدين عنهم”.
وطالب نيافة المطران “أولا: إلغاء فكرة إنشاء مدن جديدة في مناطقنا وعلى أراضينا، واستبدالها في أماكن أخرى في مناطق غير مناطقنا. ثانيا: استحداث نواحي وأقسام بلدية في قرانا ومدننا مع توفير كل الخدمات والمستلزمات الضرورية للعيش فيها بأمان وكرامة”.
على صعيد ذي صلة، أكد الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك كلدان العراق، في كلمة له في ختام أعمال مؤتمر كاريتاس الدولي المنعقد في دير سيدة الجبل بلبنان، التي جاءت تحت عنوان: “رسالة ودور المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة للحفاظ على الوجود المسيحي، وعلى العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، من خلال ترسيخ قيم المواطنة الكاملة.
واشر خلال حديثه الى ان “الوضع الحالي للمسيحيين في الشرق صعب، ويبدو أن وجودهم التاريخي مهدد، ان لم يتغير شيء إيجابي على أرض الواقع. فما يعيشه المسيحيون اليوم من مضايقات واضطهادات، ليس إلا نتيجة إفرازات الماضي بسبب تشظي المكون المسيحي من جهة، وظهور الفكر الإسلامي المتشدد والحروب المتكررة التي خلقتها سياسات الدول الكبرى من جهة ثانية”.
منوها الى انه “عشنا في العراق حروبًا متتالية: حرب الخليج الأولى (1980-1988) بين العراق وايران، ذات المليون شهيد، وحرب الخليج الثانية عام 1990، وما خلّفته من مآسي، و13 سنة من الحصار الاقتصادي، ثم سقوط النظام عام 2003 تحت شعار ما يسمى “بالفوضى الخلاقة” واعتماد الطائفية، والمحاصصة في إدارة الدولة، وتردّي الجانب الأمني والاقتصادي، وظهور تنظيم “داعش” وتهجير المسيحيين من الموصل وبلدات سهل نينوى. كل هذه العوامل أدت إلى تناقص أعداد المسيحيين الذي كان نحو مليون ونصف المليون، قبل عدة سنوات من سقوط النظام، أما اليوم فيكاد يصل الى نصف المليون”.
ولفت ساكو الى ان “السبب الآخر هو التطرف الديني الذي مورس ضد المسيحيين إبان سقوط الإمبراطورية العثمانية. وتَجدّدَ اليوم مع تنظيمي القاعدة وداعش (الإسلام السياسي). ونخشى ظهور نسخة جديدة لداعش بسبب تفشي البطالة والفقر والبؤس والأمية وتدهور الخدمات والفساد في مفاصل الدولة، ولى وجود سبب آخر سبب آخر لتراجع وضعنا، ألا وهو تفككنا كمسيحيين، وانكفاؤنا على ذاتنا ككنائس وإثنيّات، وعيشنا في قلق وخوف، واللجوء إلى الهجرة، والظن أن الغرب يحمينا. لكن تبيّن من خلال الخبرة، أن الغرب لا يحمي إلا مصالحه. وبأن ما يروّجونه في الاعلام عن الحرية والديمقراطية، مجرد شعارات”.
ويرى ساكو ان ” المسيحيين اليوم، بحاجة إلى تجاوز حاجز الأقلية والخوف والاتكالية، وتوحيد الصف بإرادة واحدة، لبلورة رؤية واضحة لبقائهم في بلدانهم وتواصلهم فيما بينهم ككنائس، وتعميق الثقة وتعزيز حضورهم وشهادتهم في هذا الشرق الذي هو مهد المسيحية، فمن دون مسيحييّ الشرق، تفقد المسيحية جذورها. لذا بات بروز رؤية مسيحية مشرقية موحدة، ضرورة مصيرية، لها استراتيجية وآلية تفعيل على أرض الواقع”.
ومضى بالقول “اعتقد أننا بمجملنا بحاجة إلى مراجعة تفكيرنا ورؤيتنا ونمط عملنا. فالكنائس هي لخدمة الناس، لاسيما الفقراء كما يدعو الانجيل، ويؤكد البابا فرنسيس ذلك مرارًا وتكرارًا. ومن أجل هذا ينبغي العمل الجدي مع جميع الفرقاء المعنيين محليًا وعالميًا لإيجاد بدائل واقعية وممكنة، تعمل على معالجة كارثة الحاجة والفقر، وللحدّ من الهجرة المخيفة للمسيحيين من الشرق”.