تشكّى بعض المعلقين من «جشع» معلمات ومعلمين (وتدريسيين) وذهب البعض الى التركيز على سوء سلوك الهيئات التعليمية حيال الطلبة، والتعدي على مبادئ تدريس العلم، وتحويل بعض المعلمين (اقول البعض) اشرف واخطر مهنة الى واسطة للـ»ترزق» وإجبار الطلبة على اللجوء الى الى «التدريس الخاص» المأجور، وكل ذلك السلوك مفهوم، وطبعا مرفوض وغير مبرر.
لكن ينبغي النظر الى المشكلة برمتها من جانبين، الاول، ان الكثير من حالاتها متوارثة من قبل 2003، وتحديدا من سنوات الحصار، وتردي لوازم التعليم، وثانيا، انها جزء من ظاهرة انهيار منظومة قيم العفة والغيرة وتفكك الاهتمام بالشأن العام، وتردي استيعاب دور المعلم من قبل البعض من الشرائح، هذا عدا عن سوء ادارة «ونذالة» بعض قيادات العملية التعليمية في البلاد، واعني بها وزارة التربية ذات العلاقة بالتعليم الابتدائي والثانوي ومناهج التعليم وخطط توسيع وتأهيل الابنية المدرسية.
اقول، ان للتشكي ما يبرره هنا في حدود الحالات السلبية المستشرية في الجسد التعليمي وفي سلوك جمهرة من المعلمين، لكن، احسب ان الغالبية الساحقة من العاملين في سلك التعليم الابتدائي والثانوي (والجامعي ايضا) بقيت عند التزام عفاف النفس واليد والغيرة والوطنية، وهي التي نراهن على دورها في تصويب الوضع التعليمي بقدر ما يتعلق الامر بالاداء السليم للمعلم.. في حين تقع المسؤولية (والملامة) على عاتق الهيئات التنفيذية للدولة (الوزارة) التي تضطلع بادارة وتوجيه التعليم.
واقول ايضا، ان الاضراب السلمي الذي تشهده الساحة التعليمية وضع القضية كلها (اوضاع المعلمين والتعليم عموما والطلاب) في الاتجاه السليم، بمعنى عدّه رسالة فصيحة عن مأزق المنهج التعليمي الرسمي ورثاثته وفساد ادارته، وبالمعنى الجوهري المتعلق بالترابط العضوي بين احتياجات المعلم ليكون موضع عناية واهتمام وتأمين مستلزمات معيشة عائلته،واحتياجات العملية التعليمية والتربوية الى منهج جديد يستند الى رؤى متحضرة وعملية ومجربة، وكل محاولة (ومعالجة) اي من الحاجتين بمعزل عن الأخرى يعني عملية ترقيع.
وياما شبعنا من الترقيع.. وما ادراك ما الترقيع.
ماكس فريش:
«الزمن لا يغيرنا، بل يكشفنا».
عبدالمنعم الأعسم